قالَ المؤلِّفُ رَحِمهُ اللهُ: نَقُولُ في تَوحِيدِ اللهِ مُعْتَقِدِينَ بِتَوْفِيقِ اللهِ إِنَّ اللهَ وَاحِدٌ لا شَرِيكَ لَهُ.
الشَّرْحُ قَوْلُهُ "نَقُولُ في تَوْحِيدِ اللهِ" ابْتَدَأَ بِالتَّوْحِيدِ لأَنَّهُ أَوَّلُ خِطَابٍ يَجِبُ عَلَى المكَلَّفِينَ وبه نزلت الكتب السماوية وإلَيْهِ دَعَتِ الأَنْبِيَاءُ وَالرُّسُلُ الَّذِينَ قَامَتْ على أَيْدِيهِمُ المعْجِزَاتُ الخارِجَةُ عَنْ وُسْعِ الخَلائِقِ كَصَيْرُورَةِ النَّارِ بَرْدًا وسَلامًا عَلَى إبْرَاهِيمَ ، وانْقِلابِ عَصَا مُوسَى ثُعْبَانًا يَسْعَى ، وتَسْخِيرِ الرِّيحِ والجِنِّ والطَّيْرِ لِسُلَيْمَانَ ، وتَسْبِيحِ الجِبالِ وتَلْيِينِ الحَدِيدِ لِدَاوُدَ ، وخُروجِ النَّاقةِ منَ الصَّخْرَةِ لصَالِحٍ ، وإحْيَاءِ الموْتَى لِعِيسَى، وانْشِقَاقِ ونَبْعِ الماءِ مِنْ بَيْنِ الأَصَابِعِ وكَلامِ الشَّاةِ المسمومة وشَهَادَةِ الذِّئْبِ وتَسْبيح الطعام في الكَفِّ لِسَيِّدِنا مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وعلَى جَميعِ إخوانِهِ الأنبياءِ والمرسلينَ كلُّهُم دَعَوا إلى توحيدِ اللهِ بدليلِ قولِهِ تعالى:﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ (25) [سورة الأنبياء].
وقولُه: "مُعْتَقِدِينَ" فيهِ نَفْيٌ للنِّفاقِ وتَحْقِيقٌ للإيمانِ لأنَّ النِّفاقَ يَجْتَمِعُ معَ الاعْتِرَافِ اللَّفْظِيِّ لَكنْ لا يَكُونُ مُقْتَرِنًا بالاعْتِرَافِ القَلْبِيِّ عَلَى وَجْهِ الجَزْمِ ، فَالإيمانُ والتَّصْدِيقُ والاعْتِقَادُ يكونُ كلُّ ذلك ، قالَ تعالى فِيمَنْ أَقَرَّ باللسانِ دونَ القلبِ:﴿قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ﴾ (41)[سورة المائدةِ].
وفي قولِه: "مُعْتَقِدِينَ" بيانُ أنَّ القولَ وَحْدَهُ لا يَكْفِي عِنْدَ اللهِ بِدُونِ اعتقادٍ، فَمَنْ نَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ ولَمْ يُذْعِنْ في نَفْسِهِ بِمَعْنَاهُمَا فَهُوَ عِنْدَنَا مُسْلِمٌ أَمَّا عِنْدَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ.
وَقَولُهُ: "بتَوْفِيقِ اللهِ" لأَنَّ الوُصُولَ إلى تَوفيقِ اللهِ يكونُ بتوفيقِ اللهِ وهِدَايَتِهِ وهُوَ مَذْهَبُ أهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ على ما قَالَ رَبُّنَا عَزَّ وجَلَّ:﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ (69)[سورةَ العنكبوت] أَيْ إلى تَوْفِيقِنَا وهِدَايَتِنَا.
وَمَعْنَى: "الْوَاحِد" في حَقِّ اللهِ تعالى ِأَنَّهُ الَّذِي لا شَرِيكَ لَهُ في ذاتِهِ ولا في صِفَاتِهِ وَلا في أفْعَالِهِ.
قالَ المؤلِّفُ رحِمَه اللهُ: ولا شَىءَ مِثلُهُ.
الشرحُ لا يُوجَدُ شَىءٌ يُمَاثِلُهُ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ أَوْ بَعْضِ الْوُجُوهِ لأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ جَمِيعِ الوُجُوهِ وإِمَّا مِنْ بَعْضِ الوُجُوهِ، فقد يُقَالَ مثلا ًفُلانٌ مِثْلُ فُلانٍ ويرادُ بِهِ أَنَّهُ يُمَاثِلُهُ في بَعْضِ الْوُجُوهِ وهَذِهِ مُمَاثَلَةٌ جُزْئِيَّةٌ،ٍ وقد يقال إنه مثله بمعنى أنه يَسُدُّ مسدَّه وهَذِهِ مُمَاثَلَةٌ مُطْلَقَةٌ. وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَخْلُوقِ، أمَّا بِالنِّسْبَةِ للخَالِقِ فَلا يُقَالُ اللهُ يُمَاثِلُ كَذَا في كَذَا. أمَّا الاتِّفَاقُ باللَّفْظِ فَلَيْسَ ذَلِكَ مُمَاثَلَةً، فلَيْسَ مِنَ المُمَاثَلَةِ أَنْ يُقَالَ عَنْ اللهِ حَيٌّ وعَنِ المَخْلُوقِ حَيٌّ، أَو اللهُ مَوْجُودٌ وفُلانٌ مَوْجُودٌ، فاللهُ تعالى وجُودُهُ لَيْسَ كَوُجُودِنَا الحَادِثِ، وُجُودُهُ بذَاتِهِ لا يَحْتَاجُ إلى شَىءٍ وكُلُّ شَىءٍ يحْتَاجُ إِلَيْهِ. فَالْمِثْلِيَّةُ الْمَنْفِيَّةُ عَنِ اللهِ المثْلِيَّةُ في المعْنَى، فَبَطَلَ قَوْلُ الفَلاسِفَةِ إنَّه لا يُقَالُ عَنِ اللهِ حَيٌّ ولا دَائِمٌ ولا قَادِرٌ وَلا سَمِيعٌ وَلا بَصِيرٌ وَلا مُتَكَلِّمٌ، وإِنْ زَعَمَ بعضُهُمْ أَنَّ هذا يَقْتَضِي الْمُمَاثَلَةَ لأَنَّ هَذَا لَيْسَ مُمَاثَلَةً بَلِ اتِّفَاقٌ باللَّفْظِ، فَاللهُ تَعالى يُطْلَقُ عليهِ هذِهِ العِبَارَةُ موجُودٌ حَيٌّ سَمِيعٌ بَصِيرٌ مُتَكَلِّمٌ مُرِيدٌ عَالِـمٌ، ويُطْلَقُ هَذا اللَّفْظُ عَلَى غَيْرِهِ لأَنَّ هَذا اتَّفَاقٌ في اللَّفْظِ لا في المَعْنَى فَلا يَقْتَضِي المُمَاثَلَةَ والمُشَارَكَةَ.
تَنْبِيهٌ المِثْلانِ أي في اصطلاح علماء الكلام هُمَا الأَمْرَانِ الَّذِي يَسُدُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَسَدَّ الآخَرِ، وهَذَا في الإِطْلاقِ الْغَالِبِ، فإِذَا كَانَ هُنَاكَ عَالِمَانِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَقُومُ مَقَامَ الآخَرِ يُقَالُ عَنْهُما مِثْلانِ.
فَائِدَةٌ: عِلْمُ التَّوْحِيدِ يُقَالُ لَهُ عِلْمُ الكَلامِ وذَلِكَ لأنَّ أَكثَرَ ما بُحِثُ فِيهِ في الماضِي مَسْئَلَةُ الْكَلامِ فصَارَتْ مَعَارِكُ كَبِيرةٌ بينَ أهلِ السُّنَّةِ وبينَ المعتزلَةِ ، حتَّى إنَّ بعضَ الخلَفَاءِ العباسِيينَ أخَذَ بِكَلامِهِم فصَارَ يَقُولُ الْقُرْءَانُ مخلُوقٌ ومَنْ لَم يَقُلِ القرءانُ مخْلُوقٌ يُعَذِّبُهُ وذَلكَ مِمَّا أخَذَهُ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ ولكنه لـم يَأْخُذْ عنْهُم أقوالهم الكفريةَ كالقَوْلِ بخلْقِ الأَفْعَالِ.
المعتزلةُ كانُوا يَقُولُونَ بنَفْيِ الكَلامِ الذَّاتِيِّ، وَالحَشْوِيَّةُ وهُمْ المجَسِّمَةُ كابنِ تَيميةَ وأَسْلافِهِ ومَنْ تَبِعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ هَؤُلاءِ يَقُولُونَ اللهُ لهُ كَلامٌ وكلامُهُ حُرُوفٌ وأصْوَاتٌ تَحْدُثُ ثمَّ تَنْقَضِي وَلا يَزَالُ علَى هَذا الحَالِ، فبِزَعْمِهم هذا جَعَلُوهُ مِثْلَ الَبشَرِ، تَعَالَى اللهُ عَن ذلك.
وأَهْلُ الحَقِّ ثَبَتُوا على مُعتقَدِهِم وهُو أنَّ اللهَ مُتكلمٌ بكلامٍ هو صِفَةٌ أزليَّةٌ أبديَّةٌ لَيْسَ بحَرْفٍ وَلا صَوْتٍ، وأَنْزَلَ كُتُبًا عَلَى بعْضِ أَنْبِيَائِهِ تُقْرَأُ بحُرُوفٍ هِيَ عِبَارَاتٌ عَنْ كَلامِهِ الذَّاتِيِّ الَّذِي لَيْسَ حَرْفًا ولا صَوْتًا، لأنَّه لَوْلا هذا الفَرْقُ بينَ الكَلامِ الَّذي هُوَ عِبارَةٌ عنْ هذا اللَّفْظِ الْمُنَزَّلِ والكلامِ الَّذي هو صِفةٌ أزليةٌ القَائِمِ بِذَاتِ اللهِ لَكَانَ مَنْ سَمِعَ هَذا اللَّفْظَ كَلِيمَ اللهِ كمَا أنَّ مُوسَى كَلِيمُ اللهِ وهَذا لا يجوزُ، ويَدُلُّ على ذلِكُ قولُه تَعَالى:﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ﴾(6) [سورة التوبة] أيْ أنَّ اللهَ أمَرَ نبيَّهُ بأنَّهُ إنِ اسْتَجَارَهُ أَحَدٌ مِنَ المشْرِكِينَ لِيَسْمَعَ القُرْءَانَ أَنْ يُؤَمِّنَهُ ثمَّ بعْدَ ذلكَ إذا لم يُسْلِمْ يُبَلِّغُهُ مَأْمَنَهُ أَيْ نَاحِيَتَهُ.
ثمَّ عِلْمُ الكلامِ عِلْمٌ يُقَرِّرُهُ أَهْلُ الحَقِّ، ولَيْسَ مَذْمُومًا كمَّا تَظُنُّ المجَسِّمَةُ، فَإِنَّ السَّلَفَ الصَّالحَ منْهم مَنِ اشْتَغَلَ بِهِ تَأْلِيفًا وتَعْلِيمًا وتَفْهِيمًا، ومِنْهُم مَنْ عَرَفَهُ لِنَفْسِهِ ولم يَشْتَغِلْ بِهِ تَأْلِيفًا وتَفْهِيمًا لأَنَّ الحَاجَةَ للتَّأْلِيفِ في أَيَامِهِ كانَتْ أَقَلَّ، ثُمَّ اشْتَدَّتِ الحَاجَةُ إلى الاشْتِغَالِ بِهِ تَأْلِيفًا وتَفْهِيمًا وهَذا لَيْسَ فيهِ مَا يُخَالِفُ شَرْعَ اللهِ بَلْ هُوَ مَحْضُ الدِّينِ، وهُو أَشْرَفُ علومِ الدِّين لأنَّهُ يُعْرَفُ بهِ مَا يَجِبُ للهِ مِنَ الصِّفاتِ الأَزَلِيَّةِ الَّتي افْتَرَضَ اللهُ معرفتَها على عبادِهِ، وما يَستحيلُ على اللهِ مِنَ النَّقائِصِ ومَا يَجُوزُ عَلَى اللهِ مَعَ ما يَتْبَعُ ذلك منْ أمُورِ النُّبُوَّةِ وأمُورِ الآخِرَةِ، وقَدْ ألَّفَ الإمامُ أبو حنيفةَ في عِلْمِ الكلامِ خمْسَ رَسَائِلَ ، وكانَ يَذْهَبُ مِنْ الكوفةِ إلى البَصْرَةِ لِمُنَاظَرَةِ المعتزلةِ والمشَبِّهَةِ والمَلاحِدَةِ حتَّى إنَّهُ تَرَدَّدَ إلَيْهِم نَيِّفًا وعِشْرِينَ مَرَّةً ، وكذا الإمامُ الشافعيُّ رَضِيَ اللهُ عنْهُ كانَ يُتْقِنُ هَذَا الْعِلْمَ، والَّذي ذَمَّهُ ليْسَ هَذا العِلْمَ بلْ كلامُ أهْلِ الأَهْواءِ، والأهواء جمع هوى وهو ما مالت إليه نفوس المبتدعة الخارجين عما كان عليه السلف فهُمْ مَنْ خَرَجَ عَنْ أهْلِ السُّنَّةِ كالْمُرْجِئَةِ والجهْمِيَّةِ والمعْتَزِلَةِ والخَوارِجِ وما أشْبَهَهُمْ فقد قالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللهُ عنْهُ: "لأَنْ يَلْقَى اللهَ العَبْدُ بِكلِّ ذَنْبٍ مَا سِوى الشِّرْكِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ بشَىءٍ مِنَ الأَهْواءِ" فلَيْسَ مُرَاد الشَّافِعِيِّ بِالأَهْوَاءِ هَذَا الْعِلمَ الَّذِي هُوَ فَرْضٌ تعلُّمُه. كذلك اشْتَغَلَ بهذا العلم عمرُ بنُ عبدِ العَزِيزِ الخليفةُ الراشدُ وعَمِلَ رِسَالَةً يُبَيِّنُ فِيها مَذْهَبَ أَهْلِ الحَقِّ ويَدْحَضُ بِها رَأْيَ المعتزلةِ، كذلكَ الحَسَنُ البِصْرِيُّ الَّذي هُوَ من أكابرِ التابعينَ، وتَكَلَّمَ فِيهِ الإِمَامُ مالِكٌ وغيرُهُ مِنْ أئِمَّةِ السَّلفِ. فلا يَلْحَقُ شَىءٌ مِنْ ذَمِّ هذا الْعِلمِ الذي يَشْتَغِلُ بِهِ أهلُ السُّنَّةِ، وقَدْ أحْسَنَ في ذلِكَ مَنْ قَالَ: [البسيط]
عَابَ الكَلامَ أُنَاسٌ لا عُقُولَ لهُم
ومَا عَلَيْهِ إذَا عَابُوهُ مِنْ ضَرَرِ
مَا ضَرَّ شَمْسَ الضُّحَى في الأُفْقِ طالِعةً
أَنْ لا يَرَى ضَوءَها مَنْ لَيْسَ ذَا بَصَرِ
والإمَامُ أحمدُ لَيْسَ كَمَا يَظُنُّ المشَبِّهَةُ عَنْهُ حَيْثُ قَالُوا إِنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ كَلامَ اللهِ حَرْفٌ وصَوْتٌ مَذْهَبُ أحمدَ، بلْ هُوَ لَم يَكُنْ يَرَى أنْ يُطْلَقَ هَذا اللَّفْظُ "القُرْءَانُ مَخْلُوقٌ" وَلا أَنْ يُقَال "لَفْظِي بالقرءانِ مخلوقٌ" لأنَّه قدْ يَتَوهَّمُ مُتَوَهِّمٌ مِنْ هَذا اللَّفظِ أنَّ القرءانَ مخلوقٌ أيِ الكلامَ الذَّاتِيَّ مخلوقٌ أيْ وَصْفَ الكلامِ الذاتيِّ بالْمخلُوقِيَّةِ فحذرًا من ذلك كان يَمْنَعُ من اللفظين، أمَّا أنْ يَعْتَقِدَ أنَّ اللهَ تباركَ وتعالى يَتكلَّمُ بحرْفٍ وصَوتٍ قائِمٍ بذَاتِهِ فهُو بَرِيءٌ مِن ذلكَ.
قالَ المؤلِّفُ رحِمَه اللهُ: وَلا شَىءَ يُعْجِزُهُ.
الشرحُ أن هَذا فِيهِ رَدٌّ عَلَى قَوْلِ المعتزلةِ إنَّ اللهَ لا يَسْتطيعُ أنْ يَخلُقَ مَقدُورَ العبدِ لأنَّ اللهَ أعطاهُ القُدرةَ عليهِ فصارَ عاجِزًا أمَّا قبلَ ذلكَ فكانَ قادِرًا عليهِ، والقائلونَ بِهذا لا يجوزُ الاخْتِلافُ في تكفيرِهِمْ. وقدْ الْتَبَسَ عَلى كثيرٍ منَ النَّاسِ هذا فيَقُولونَ المعتزلةُ لا يُكَفَّرُونَ على القَولِ الأصَحِّ، فليسَ المقصودُ بتركِ بعضِ العلماءِ تكفيرَ بعضِ المعتزلةِ هؤلاءِ ومَنْ كانَ عَلَى شَاكِلَتِهِمْ.
قالَ المؤلِّفُ رحِمَه اللهُ: وَلا إِلهَ غَيرُهُ.
الشرحُ الإلهُ مَنْ لهُ الإلهِيَّةُ وهِيَ قُدرةُ الإبْدَاعِ والاخْتِراعِ ، فَلا يُطْلَقُ لَفْظُ الإلهِ بِحَسَبِ الأَصْلِ علَى غيرِ اللهِ تعالى إنما المشركونَ استَعارُوا هذا اللفظَ وأَطْلَقُوا على مَعْبوداتِهِم كلمةَ الإلهِ هَكذا ذَكَرَ الفَيُّومِيُّ اللُّغَوِيُّ في كتابهِ المصْبَاحُ المنيرُ حيثُ قالَ: "الإلهُ المعْبودُ وهُوَ اللهُ سبحانَهُ وتَعالى ثمَّ اسْتَعَارَهُ المشركونَ لِما عَبَدُوهُ مِنْ دُونِ اللهِ تَعالى" اهـ، وأمَّا المبرِّدُ فقالَ: "الإلهُ مَنْ لهُ الإلهيةُ، والإلهيةُ قُدْرَةُ الإبْدَاعِ والاخْتِراعِ" اهـ. فَلا يَجُوزُ أنْ يُقالَ الإلهُ هُو مَن يُعبَدُ بحقٍّ أوْ بباطِلٍ. وقد عَدَّ الإمامُ أَبو مَنْصورٍ البغداديُّ الإلهَ مِنْ أسماءِ اللهِ. وكُلُّ هَذا حُجَّةٌ على هؤلاءِ الَّذينَ يَزْعُمُونَ أنَّ الإلهَ معناهُ المعبودُ إنْ كانَ بحقٍّ أو بِباطلٍ بل الإله إذا أطلق لا يُطلق إلا على المعبود بحق لا يكون إلا لله رب العالمين لذلك صح أن يقال لا إله إلا إلله فلا يجوز إطلاق لفظ الإله على غير الله تبارك تعالى، أمَّا إذا قُيِّدَ فلا إشْكالَ فإذا قِيلَ للكفَّارِ هذا إِلَـهُهُمْ فهو بمعنى هذا مَعْبودُهُم لا بمعنى الموافقةِ لهم بل بمعنى الذمِّ لهمْ.