سؤال جواب مقصد الطالبين في أجوبة متن الصراط المستقيم
 عذابُ القبرِ ونعيمُهُ وما يكونُ بعدَ ذلكَ

عذابُ القبرِ ونعيمُهُ وما يكونُ بعدَ ذلكَ
ويتضمنُ ستةً وعشرينَ سؤالًا

مقصد الطالبين


[176]- س: اذكر دليلَ ثبوتِ عذاب القبرِ.
[177]- س: اذكر حال عصاة المسلمينَ من أهل الكبائر الذين ماتوا قبل التوبة.
[178]- س: ما الدليلُ على عودِ الروحِ إلى الجسدِ في القبر؟
[179]- س: اذكر دليلًا ءاخرَ على عود الرُّوح إلى الجسد في القبر.
[180]- س: ما الدليلُ على وجودِ فتّانَي القبر منكرٍ ونكيرٍ؟
[181]- س: لمن يكون النعيم في القبر؟
[182]- س: أينَ تكونُ الأرواحُ بعد بِلَى الأجساد؟
[183]- س: من يستثنى من السُّؤال في القبر؟
[184]- س: فإنْ قيلَ: كيفَ يُمكنُ سؤالُ عددٍ كثيرٍ منَ الأمواتِ؟
[185]- س: ما حكمُ منكر عذاب القبر؟
[186]- س: تكلمْ عن البعثِ.
[187]- س: تكلم عن الحشر.
[188]- س: كيف يكون الحشر؟
[189]- س: تكلم عن الحسابِ.
[190]- س: تكلم عن الميزان
[191]- س: تكلم عن الثواب.
[192]- س: تكلم عن العقاب
[193]- س: تكلمْ عن الصِّراطِ.
[194]- س: ما معنى ما ورد في الصِّراط أنه أحد من السَّيف وأدقّ من الشَّعرة؟
[195]- س: تلكم عن الحوض
[196]- س: تكلم عن الجنَّةِ وبعض ما جاءَ في وصفِها.
[197]- س: تكلم عن النار.
[198]- س: ما الدليلُ على كونِ الجنَّةِ فوقَ السَّماءِ السَّابعة وجهنَّم تحت الأرضِ السَّابعة؟
[199]- س: تكلم عنِ الشَّفاعةِ.
[200]- س: تكلم عن الرُّوح.
[201]- س: الله يرحمُ المؤمنينَ والكافرينَ في الدنيا والمؤمنينَ فقط في الآخرةِ بيّنْ ذلكَ.




[176]- س: اذكر دليلَ ثبوتِ عذاب القبرِ.
ج: قال الله تعالى: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أدْخِلُواْ ءَالَ فِرْعَونَ أَشَدَّ العَذَابِ﴾ [سورة غافر/46].
وقال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ [سورة طه/124].
فهاتانِ الآيتانِ وارِدَتانِ في عذابِ القبرِ للكُفارِ.




[177]- س: اذكر حال عصاة المسلمينَ من أهل الكبائر الذين ماتوا قبل التوبة.
ج: أمّا عُصاةُ المُسلمينَ من أهلِ الكبائرِ الذينَ ماتُوا قبلَ التوبةِ فهُم صِنفانِ: صِنفٌ يُعْفيهمُ الله من عذابِ القبرِ وصِنفٌ يُعذبهم ثمَّ ينقطعُ عنهم ويُؤخّرُ لهم بقيةَ عذابهم إلى الآخرةِ.
فقد روى البخاريُّ ومسلمٌ والترمذيُّ وأبو داودَ والنسائيُّ عن ابنِ عبَّاسٍ مرَّ رسولُ اللهِ على قَبرَينِ فقالَ: "إنَّهُما ليُعَذَّبانِ في كبيرِ إثم"، قال: "بلى، أمّا أحدُهُما فكانَ يمشي بالنَّميمةِ، وأما الآخرُ فكانَ لا يَستَتِرُ منَ البولِ"، ثمّ دعا بعَسيبٍ رطبٍ فشقَّهُ اثنين فغرسَ على هذا واحدًا وعلى هذا واحدًا، ثمّ قال: "لعلَّهُ يُخَفَّفُ عَنهُمَا".




[178]- س: ما الدليلُ على عودِ الروحِ إلى الجسدِ في القبر؟
ج: اعلَم أنهُ ثبتَ في الأخبارِ الصحيحةِ عَودُ الروحِ إلى الجسدِ في القبرِ كحديثِ البراءِ بن عازب الذي رواهُ الحاكمُ والبيهقيُّ وأبو عوانةَ وصححهُ غيرُ واحدٍ، وحديثِ ابن عبَّاسٍ مرفوعًا: "ما مِن أحدٍ يَمُرُّ بقبرِ أخيهِ المؤمنِ كانَ يعرفهُ في الدُّنيا فيُسَلِّمُ عليهِ إلا عَرفهُ وردَّ عليهِ السلامَ". رواهُ ابنُ عبد البرّ وعبدُ الحقّ الإشبيلي وصححهُ.
فيستَلزِمُ ذلكَ رجوعَ الروحِ إلى البدنِ كلهِ وذلكَ ظاهرُ الحديثِ أو إلى بعضهِ. ويتأكدُ عَودُ الحياةِ في القبرِ إلى الجسدِ مَزيدَ تأكُّدٍ في حقّ الأنبياء، فإنهُ وردَ من حديثِ أنس عن النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "الأنبياءُ أحياءٌ في قُبورِهم يُصَلُّونَ" صححه البيهقيُّ وأقرَّهُ الحافظُ.




[179]- س: اذكر دليلًا ءاخرَ على عود الرُّوح إلى الجسد في القبر.
ج: روى البخاريُّ ومسلمٌ عن أنسٍ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أنهُ قال: "إنَّ العبدَ إذا وُضِعَ في قبرهِ وتولَّى عنهُ أصحابهُ وإنهُ لَيسمعُ قرعَ نِعالهم إذا انصَرفُوا أتاهُ ملَكانِ فيُقعِدانِهِ فيقولانِ: ما كُنتَ تقولُ في هذا الرجلِ محمدٍ؟ فأما المُؤمنُ -أي الكاملُ- فيقولُ: أشهدُ أنه عبدُ الله ورسولُهُ، فيُقالُ لهُ: انظُرْ إلى مَقعدكَ منَ النَّارِ أبدَلَكَ الله بهِ مقعدًا من الجنَّةِ فيراهُما جميعًا. وأما الكافِرُ أو المنافقُ فيقولُ: لا أدري كنتُ أقولُ ما يقولُ النَّاسُ فيهِ، فيُقالُ: لا دَرَيتَ ولَا تَلَيْتَ، ثم يُضرَبُ بمطرقةٍ مِن حديدٍ بينَ أذنيهِ فيصيحُ صَيحةً يَسمَعها مَنْ يليهِ إلّا الثَقَلَين".




[180]- س: ما الدليلُ على وجودِ فتّانَي القبر منكرٍ ونكيرٍ؟
ج: عن عبد الله بن عمرو أنّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ذكرَ فتّانَي القبرِ فقالَ عمرُ بنُ الخطابِ رضِيَ اللهُ عنهُ: أتُرَدُّ علينا عقُولنا يا رسول الله، قال: "نعم كَهَيئَتِكُم اليومَ"، قال: فبِفيهِ الحجرُ.
وعن أبي هريرةَ رضيَ الله عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "إذا قُبِرَ الميّتُ أو الإنسانُ أتاهُ ملَكانِ أسوَدانِ أزرقانِ يُقالُ لأحدِهِما مُنكرٌ وللآخرِ نكيرٌ فيقولانِ لهُ: ما كنتَ تقولُ في هذا الرَّجلِ محمّد؟ فهوَ قائِلٌ ما كانَ يقولُ. فإنْ كانَ مُؤمِنًا قالَ: هوَ عبدُ الله ورسولهُ أشهدُ أن لَا إلهَ إلّا الله وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورسولهُ فيَقولانِ لهُ: إنْ كنَّا لَنَعلَمُ أنَّكَ لتقولُ ذلكَ، ثمَّ يُفسَحُ لهُ في قبرهِ سَبْعينَ ذراعًا في سَبْعينَ ذراعًا ويُنَوَّرُ لهُ فيهِ، فيُقالُ لهُ: نَمْ، فينامُ كنومِ العروسِ الَّذي لَا يُوقِظُهُ إلّا أحبُّ أهلِهِ حتَّى يبعثهُ اللهُ مِن مَضْجعهِ ذلك، فإن كانَ مُنافقًا قالَ: لا أدري، كنتُ أسمعُ النَّاسَ يقولونَ شيئًا فكنتُ أقولُهُ، فيقولانِ لهُ: إنْ كُنَّا لَنعلمُ أنكَ تقولُ ذلك، ثمّ يُقالُ للأرضِ الْتَئِمي فتَلْتَئِمُ عليهِ حتَّى تختلِفَ أضلاعُهُ فَلا يزالُ مُعَذَّبًا حتَّى يبعثهُ اللهُ تعالى مِن مضجعهِ ذلكَ".
والحديثانِ رواهُما ابن حبانَ وصححهما، ففي الأولِ منهُما إثباتُ عَوْدِ الروحِ إلى الجسدِ في القبرِ والإحساسِ، وفي الثاني إثباتُ استمرارِ الروحِ في القبرِ وإثباتُ النومِ وذلك ما لمْ يَبْلَ الجسدُ.




[181]- س: لمن يكون النعيم في القبر؟
ج: هذا النعيمُ للمؤمنِ القويّ وهوَ الذي يؤدّي الفرائِضَ ويجتنبُ المعاصي، وهوَ الذي قالَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فيهِ: "الدُّنيا سِجنُ المُؤْمنِ وسَنَتُهُ فإذا فارقَ الدُّنيا فارَقَ السجنَ والسَّنةَ"، حديثٌ صحيحٌ أخرجهُ ابن حبانَ، يعني المؤمنَ الكاملَ.




[182]- س: أينَ تكونُ الأرواحُ بعد بِلَى الأجساد؟
ج: إذا بليَ الجسدُ كلُّهُ ولم يبقَ إلّا عَجْبُ الذنبِ يكونُ روحُ المؤمنِ التَّقي في الجنَّةِ وتكونُ أرواحُ عُصاةِ المسلمينَ أهلِ الكبائرِ الَّذينَ ماتُوا بلَا توبةٍ بعدَ بِلى الجسدِ فيما بينَ السَّماءِ والأرض، وبعضهم في السَّماءِ الأولى، وتكونُ أرواحُ الكفارِ بعدَ بِلى الجسدِ في سِجّينَ وهو مكانٌ في الأرضِ السُّفلى، وأمّا الشَّهداءُ فتصعدُ أرواحُهم فورًا إلى الجنَّةِ.




[183]- س: من يستثنى من السُّؤال في القبر؟
ج: يُستَثْنى من السُّؤالِ الأنبياءُ والشهداءُ أي شهداءُ المعركةِ وكذلكَ الطفلُ أي الَّذي ماتَ دونَ البلوغِ.




[184]- س: فإنْ قيلَ: كيفَ يُمكنُ سؤالُ عددٍ كثيرٍ منَ الأمواتِ؟
ج: الجوابُ ما قالَ الحليميُّ:
"إنَّ الأشبَهَ أن يكونُ ملائكةُ السؤالِ جماعةٌ كثيرةٌ يُسمَّى بعضهم مُنكرًا وبعضهم نكيرًا فيُبعَثُ إلى كلّ ميتٍ اثنانِ مِنْهُم".




[185]- س: ما حكمُ منكر عذاب القبر؟
ج: يكفرُ مُنكِرُ عذابِ القبرِ لقولِ الله: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُواْ ءَالَ فِرْعَونَ أشدَّ العذابِ﴾ [سورة غافر/46] بخلافِ مُنكرِ سؤالهِ فلَا يكَفَّرُ إلا أن يكونَ على وجهِ العِنادِ.




[186]- س: تكلمْ عن البعثِ.
ج: البعثُ حقٌّ، وهوَ خُروجُ المَوتَى من القُبورِ بعدَ إعادةِ الجسَدِ الذي أكلَهُ التُّرابُ إن كانَ منَ الأجسادِ التي يأكلها الترابُ وهي أجسادُ غيرِ الأنبياءِ وشُهداءِ المعركةِ وبعضِ الأولياءِ لِما تواتَرَ من مُشاهدةِ بعضِ الأولياءِ.
وأوَّلُ مَن يَنشَقُّ عنهُ القبرُ سيَّدنا محمَّد صلَّى اللهً عليهِ وسلَّم، وأهلُ مكةَ والمدينةِ والطائفِ من أولِ من يُبعَثُ.




[187]- س: تكلم عن الحشر.
ج: الحشرُ حقٌّ وهوَ أن يُجمَعوا بعدَ البعثِ إلى مكانٍ، ويكونُ على الأرضِ المبدَّلةِ وهيَ أرضٌ مُستَويةٌ كالجِلدِ المَشْدودِ لا جِبالَ فيها ولا وِديان، أكبرُ وأوسَعُ منْ أرضِنا هذه بيضاءُ كالفِضةِ.




[188]- س: كيف يكون الحشر؟
ج: يكونُ الحَشْرُ على ثلاثةِ أحوالٍ:
1 قسمٌ طاعِمُونَ كاسُونَ راكِبونَ على نُوقٍ رحائِلُها من ذهبٍ وهُم الأتقياءُ.
2 وقسمٌ حُفاةٌ عُراةٌ وهُم المسلمونَ من أهلِ الكبائرِ.
3 وقسمٌ يُحشَرونَ ويُجَرُّونَ على وُجوهِهم وهمُ الكفَّارُ.




[189]- س: تكلم عن الحسابِ.
ج: الحسابُ حقٌّ، وهوَ عرْضُ أعمالِ العِبادِ عليهم، ويكونُ بتكليمِ الله للعبادِ جميعهم، فيفهمونَ من كلامِ الله السؤالَ عمَّا فعلوا بالنِّعَمِ التي أعطاهُمُ الله إياها، فيُسَرُّ المؤمنُ التقيُّ، ولا يُسَرُّ الكافرُ لأنهُ لا حَسنةَ لهُ في الآخرةِ، بلْ يكادُ يغشاهُ الموتُ، فقد وردَ في الحديثِ الصحيحِ: "ما مِنكُم مِن أحدٍ إلّا سيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ يومَ القيامةِ ليسَ بينَهُ وبينَهُ تُرْجُمان" رواهُ أحمدُ والترمذيُّ.




[190]- س: تكلم عن الميزان
ج: الميزانُ حقٌّ، وهوَ كميزانِ الدُّنيا لهُ قَصَبةٌ وعَمودٌ وكفَّتانِ كفةٌ للحسناتِ وكفةٌ للسيئاتِ تُوزَنُ بهِ الأعمالُ يومَ القيامةِ، والذي يَتَولَّى وزْنَها جبريلُ وميكائيلُ، وما يُوزَنُ إنّما هوَ الصحائِفُ التي كُتِبَ عليها الحسناتُ والسيئاتُ فمن رجَحت حسناتُهُ على سيئاتِهِ فهوَ من أهلِ النجاةِ، ومن تساوَتْ حسناتُهُ وسيئاتُهُ فهوَ من أهل النجاةِ أيضًا ولكنهُ أقلُّ رُتبةً من الطبقةِ الأولى وأرفعُ من الثالثةِ، ومنْ رجَحَتْ سيئاتُهُ على حسناتِهِ فهوَ تحتَ مشيئةِ الله إنْ شاءَ عذَّبَهُ وإن شاءَ غفرَ لهُ.
وأما الكافرُ فترجَحُ كفةُ سيئاتِهِ لا غيرَ لأنهُ لا حسناتَ لهُ في الآخرةِ لأنهُ أُطعِمَ بحسناتِهِ في الدنيا.




[191]- س: تكلم عن الثواب.
ج: الثوابُ عندَ أهلِ الحقّ ليسَ بحقّ للطائعينَ واجِب على الله، وإنَّما هوَ فضلٌ منهُ وهُوَ الجزاءُ الذي يُجْزَى بهِ المؤمنُ مما يَسُرُّهُ في الآخرةِ.




[192]- س: تكلم عن العقاب
ج: العقابُ لا يجبُ على الله أيضًا إيقاعُهُ للعُصاةِ، وإنما هوَ عدلٌ منهُ، وهوَ ما يَسُوءُ العبدَ يومَ القيامةِ.
وهوَ على قِسمَين: أكبرَ وأصغرَ، فالعِقابُ الأكبرُ هوَ دخولُ النَّارِ والعقابُ الأصغرُ ما سِوى ذلكَ كأذى حرِّ الشمسِ يومَ القيامةِ فإنَّها تُسَلَّطُ على الكُفارِ فيَغرَقونَ حتى يَصِلَ عرقُ أحدِهم إلى فيهِ ولا يتجاوزُ عرقُ هذا الشخصِ إلى شخصٍ ءاخرَ بل يقتصرُ عليه حتى يقولَ الكافرُ من شدَّةِ ما يُقاسي منها: ربّ أرِحْني ولو إلى النَّارِ، ويكونُ المُؤمِنونَ الأتقياءُ تلكَ الساعةَ تحتَ ظلّ العرشِ، وهذا معنى الحديث: "سبعةٌ يُظِلُّهُمُ الله في ظلّهِ"، أي في ظلِّ عرشِهِ.




[193]- س: تكلمْ عن الصِّراطِ.
ج: الصِّراطُ حقٌّ، وهوَ جِسرٌ عريضٌ مَمْدودٌ على جَهَنَّمَ تَرِدُ عليهِ الخلائقُ، فمِنهُمْ مَن يَرِدهُ ورُودَ دخولٍ وهمُ الكفارُ وبعضُ عُصاةِ المُسلِمينَ، أي يَزِلُّونَ منهُ إلى جَهَنَّمَ، ومنهُم من يرِدهُ ورودَ مرورٍ في هوائهِ، فمِن هؤلاءِ مَن يمرُّ كالبَرقِ الخاطِفِ، ومنهُم مَن يمُرُّ كطرفةِ عينٍ، وهوَ محمُولٌ على ظاهرِهِ بغيرِ تأويلٍ، وأحدُ طَرَفيهِ في الأرضِ المُبَدَّلةِ والآخرُ فيما يلي الجنَّةَ، وقد وردَ في صفتهِ أنهُ "دَحْضٌ مَزَلَّةٌ".




[194]- س: ما معنى ما ورد في الصِّراط أنه أحد من السَّيف وأدقّ من الشَّعرة؟
ج: ما وردَ أنهُ أحدُّ منَ السَّيفِ وأدّقُّ منَ الشَّعرةِ كما روى مسلمٌ عن أبي سعيدٍ الخُدري: "بلَغني أنهُ أدَقُّ منَ الشَّعرةِ وأحدُّ منَ السَّيفِ" لم يرد مرفوعًا إلى رسول الله، وليسَ المُرادُ ظاهرَهُ بلْ هوَ عريضٌ وإنما المرادُ بذلكَ أنَّ خطرَهُ عظيمٌ، فإنَّ يُسْرَ الجوازِ عليه وعُسْرَهُ على قدرِ الطاعاتِ والمعاصي ولا يَعلمُ حدودَ ذلكَ إلّا الله، فقد وردَ في الصحيحِ أنهُ تجري بهم أعمالهم معناهُ أن أعمالَهم تصيرُ لهم قوّة السَّيرِ.




[195]- س: تكلم عن الحوض
ج: الحوضُ حقٌّ، وهو مكانٌ أعَدَّ الله فيه شرابًا لأهلِ الجنةِ يشرَبونَ منهُ قبلَ دخولِ الجنةِ وبعدَ مُجاوزَةِ الصِّراطِ، فلِنبيّنا حوضٌ تردُهُ أمتهُ فقط لا تردهُ أممٌ غيرهِ طولُهُ مسيرةُ شهرٍ وعرضُهُ كذلكَ، ءَانِيتُهُ كعددِ نجومِ السَّماءِ، شرابُهُ أبيضُ منَ اللبنِ وأحلى من العسلِ وأطيبُ منْ ريحِ المسكِ.
وقد أعدَّ اللهُ لكلّ نبيّ حوضًا وأكبرُ الأحواضِ حوضُ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.




[196]- س: تكلم عن الجنَّةِ وبعض ما جاءَ في وصفِها.
ج: الجنَّةُ حقٌّ فيجبُ الإيمانُ بها وأنَّها مخلوقةٌ الآنَ كما يُفهَمُ ذلكَ منَ القرءانِ والحديثِ الصحيحِ، وهيَ فوقَ السَّماءِ السَّابعةِ ليسَت مُتَّصلةً بها، وسقفها عرشُ الرَّحمنِ، وأهلُها على صورةِ أبيهم ءادمَ ستونَ ذراعًا طولًا في سبعةِ أذرُعٍ عرْضًا جمِيلو الصُّورة، جُرْدٌ مُرْدٌ في عُمرِ ثلاثةٍ وثلاثينَ عامًا، خالِدونَ فيها لا يخرجونَ منها أبدًا، وقد صحَّ الحديث بذلك.
وقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في وصْفِها: "هيَ ورَبِّ الكعبةِ نورٌ يَتلألأ وريحانَةٌ تهتَزُّ، وقصرٌ مَشيدٌ ونهرٌ مُطَّرِدٌ، وفاكِهةٌ كثيرةٌ نضِيجةٌ، وزَوجةٌ حسناءُ جميلةٌ، وحُلَلٌ كثيرةٌ في مُقامٍ أبدِيّ في حُبرَةٍ ونَضْرَةٍ" رواهُ ابن حبان.




[197]- س: تكلم عن النار.
ج: النَّارُ حقٌّ، فيجبُ الإيمانُ بها وبأنَّها مخلوقةٌ الآنَ، كما يُفهَمُ ذلكَ منَ الآياتِ والأحاديثِ الصحيحةِ، وهيَ مكانٌ أعدَّهُ الله لعذابِ الكُفَّارِ الذي لا ينتهي أبدًا وبعضِ عُصاةِ المُسلمين، ومكانُها تحتَ الأرضِ السَّابعةِ من غيرِ أن تكونَ مُتصلة بها.
وَيَزيدُ الله في حجمِ الكافرِ في النَّارِ ليَزدادَ عذابًا حتى يكونَ ضِرْسُهُ كجبلِ أُحُدِ، وهوَ خالِدٌ في النَّارِ أبدًا لا يموتُ فيها ولا يحيا فيها راحة، ليسَ لهُمْ فيها طعامٌ إلّا مِن ضريعٍ، وشرابُهُم منَ الماءِ الحارّ المُتناهي الحرارةِ.




[198]- س: ما الدليلُ على كونِ الجنَّةِ فوقَ السَّماءِ السَّابعة وجهنَّم تحت الأرضِ السَّابعة؟
ج: أمّا كونُ الجنَّةِ فوقَ السَّماءِ السَّابعةِ فذلكَ ثابِتٌ فيما صحَّ منَ الحديثِ، وهو قوله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم "وفَوقه" يعني الفردوس "عَرْشُ الرَّحْمَن"، وأمّا كونُ جهنَّمَ تحتَ الأرضِ السَّابعةِ فقد قال أبو عبد الله الحاكمُ في المُستدركِ: "إنَّ ذلكَ جاءَت فيهِ رِواياتٌ صحيحةٌ".




[199]- س: تكلم عنِ الشَّفاعةِ.
ج: الشَّفاعةُ حقٌّ، وهيَ سُؤالُ الخيرِ منَ الغَيْرِ للغيرِ، فيشفعُ النَّبِيُّونَ والعُلماءُ العامِلونَ والشهداءُ والملائكةُ، ويشفعُ نبيُّنا لأهلِ الكبائرِ من أمتهِ، فقد جاءَ في الحديثِ الصحيحِ: "شفاعتي لأهلِ الكبائرِ من أمتي" رواهُ ابنُ حبان، أي غيرُ أهلِ الكبائرِ لَيسوا بحاجةٍ للشَّفاعةِ، وتكونُ لبعضهم قبلَ دخولهم النَّارَ ولبعضٍ بعدَ دخُولهم قبلَ أن تمضي المُدَّةُ التي يَستَحِقُّونَ بمَعاصيهم، ولا تكونُ للكُفَّارِ قال الله تعالى: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إلّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾ [سورة الأنبياء/28]، وأوَّلُ شافعٍ يشفعُ هُوَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم.




[200]- س: تكلم عن الرُّوح.
ج: يجبُ الإيمانُ بالرًّوحِ وهيَ جِسْمٌ لطيفٌ لا يَعلمُ حقيقتَهُ إلّا الله، وقد أجْرى الله العادةَ أن تَسْتَمِرَّ الحياةُ في أجسامِ الملائكةِ والإنسِ والجِنّ والبهائمِ ما دامَت تلكَ الأجسامُ اللطيفةُ مُجتَمِعةٌ مَعها، وتُفارِقُها إذا فارَقَتْها تلكَ الأجسامُ، وهيَ حادِثةٌ ليسَت قديمةً، فمن قالَ إنها قديمةٌ ليست مخلوقةً فقد كفرَ، وكذلكَ من قالَ البهائمُ لا أرواحَ لها كما قال ذلكَ محمدُ مُتولي الشعراوي1 في كتابَيهِ التفسير والفتاوى وذلكَ تكذيبٌ للقرءانِ وإنكارٌ للعِيانِ قالَ تعالى: ﴿وَإِذَا الوُحُوشُ حُشِرَتْ﴾ [سورة التكوير/5]. وقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "لَتُؤَدَّنَّ الحُقُوقُ إلَى أهْلِها يومَ القِيَامَةِ حتَّى يُقادَ للشَّاةِ الجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ القَرْناءِ" رواهُ مسلمٌ.




[201]- س: الله يرحمُ المؤمنينَ والكافرينَ في الدنيا والمؤمنينَ فقط في الآخرةِ بيّنْ ذلكَ.
ج: اللهُ تعالى يرحمُ المُؤمِنينَ والكافرينَ في الدُّنيا وسِعَتْ رَحمتُهُ كُلًّا، أمّا في الآخرةِ فرَحمتُهُ خاصةٌ للمُؤمِنين، قال اللهُ تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَئٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ [سورة الأعراف/156].
أي وسِعَت في الدنيا كلَّ مُسلمٍ وكافرٍ، قال: ﴿فَسَأَكْتُبُهَا﴾ أي في الآخرة، ﴿لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾، أي أخُصُّها لمن اتَّقى الشركَ وسائرَ أنواعِ الكفرِ.
وقال تعالى: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ المَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قَالُواْ إِنَّ اللهَ حَرَّمّهُمَا عَلَى الكَافِرِينَ﴾ [سورة الأعراف/50].
أي أنَّ اللهَ حرَّمَ على الكافرينَ الرزقَ النافِعَ والماءَ المُرْوِيَ في الآخرةِ، وذلكَ لأنَّهُم أضاعُوا أعظمَ حُقوقِ الله الذي لَا بديلَ لهُ وهوَ الإيمانُ بالله ورسولهِ.
ثمَّ إنّ اللهَ جعلَ الدُّخولَ في الإسلامِ الذي هوَ أفضلُ نِعَمِ الله سهلًا، وذلكَ بالنُّطْقِ بالشهادَتَينِ بعدَ معرفةِ اللهِ ورسولهِ.
وجعلَ الكُفرَ سهلًا فكلمةٌ واحدةٌ تَدُلُّ على الاستِخفافِ بالله أو شريعَتِهِ تُخرِجُ قائِلَها منَ الإيمانِ، وتوقِعُهُ في الكفرِ الذي هوَ أسوأُ الأحوالِ حتى يكونَ عندَ الله أحقرَ منَ الحشراتِ والوُحوشِ، سواءٌ تكلَّمَ بها جادًّا أو مازِحًا أو غَضْبانَ.
وقد شُرِحِ ذلكَ في كتبِ الفقهِ في المذاهبِ المُعتَبرةِ وحَكَمُوا أنّ المتلَفّظَ بها يكفرُ.
قال الله تعالى: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَآبِ عِندَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [سورة الأنفال/55].




(1) انظر كتابه الفتاوى [1/218].