[132]- س: ما معنى القَدَر؟
[133]- س: ما الدليلُ على أن مشيئةَ الله نافذةٌ في جميعِ مراداته؟
[134]- س: اذكر قول الإمام علي في القدر.
[135]- س: اذكر ما قالهُ عُمَرُ ردًّا على مَن قالَ إنّ الله لا يُضِلُّ أحدًا.
[136]- س: اذكر الأبياتَ التي كان يُعْجَبُ بهن عمرُ مما يتعلقُ بالقدرِ واشرح معناها.
[137]- س: اذكر ما قالهُ الشافعيُّ لما سُئلَ عن القدرِ.
[138]- س: ما هو الدليل على أن الضمير في قوله تعالى: ﴿يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ﴾ يعود إلى الله لَا إلى العبد؟
[139]- س: اذكر ما تقولهُ الطائفةُ المنتسبةُ لأمين شيخو.
[140]- س: ماذا قالَ عليّ الرضا في القدر؟
[141]- س: اذكر الردَّ على من ينسُب لله خلقَ الخيرِ دونَ الشرّ.
[142]- س: اذكر حديثًا فيه تكفيرُ من لم يُؤمن بالقدر.
[143]- س: اذكر حديث مسلم والبيهقي الذي يدلُّ على أن كلّ شئ بتقديرِ الله وخلقِهِ.
[144]- س: ما معنى الحديث الذي رواه مسلمٌ من حديث أبي ذر عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عن اللهِ عزَّ وجلَّ: "فَمَن وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمد الله وَمَن وَجَدَ غيرَ ذلَك فَلَا َيَلُومَنَّ إلّا نَفْسَه"؟
[145]- س: ما جوابُ من يسألُ إذا كانَ كلُّ شئٍ بتقديرِ الله لِمَ لَمْ يخلق الله الخلقَ ويدخلهم فورًا إلى الجنَّةِ والنَّار؟
[146]- س: ما معنى قوله تعالى: ﴿قُلْ فَلِلَّهِ الحُجَّةُ البَالِغَةُ فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [سورة الأنعام/149].
[147]- س: ما معنى حديث: "إِذَا ذُكِرَ القَدَرُ فَأَمْسِكُوا"؟
[148]- س: اذكر الحديث الذي فيه ذم القدرية.
[149]- س: اذكر الدليلَ على كُفرِ المعتزلةِ القائِلينَ إنّ الإنسانَ يخلقُ أفعاله.
[150]- س: اذكر مَعْنَيَيِ الهِدايةِ.
[151]- س: اذكر الدليلَ على أن تقديرَ الله لَا يتغيّر.
[152]- س: ما معنى قوله تعالى: ﴿يَمْحُواْ اللهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعنْدَهُ أمُّ الكِتَابِ﴾؟
[153]- س: اذكر تقسيمَ الأمورِ إلى أربعة من حيثُ تعلق المشيئة والأمر.
[154]- س: ما معنى توحيد الله في الفعل؟
[155]- س: اذكر الدليلَ على أن الله خالق الأعمالِ الاختياريةِ والاضطرارية.
[156]- س: اذكر الدليلَ على كفرِ المعتزلةِ من كلامِ العلماء.
[157]- س: اذكر قولَ الإمام البغدادي في تكفيرهِ المعتزلة.
[158]- س: على ماذا يُحملُ كلامُ مَنْ لم يكفِّر المعتزلة؟
[159]- س: اذكر الدليلَ العقليَّ على فسادِ قولِ المعتزلةِ إنّ العبدَ يخلقُ أفعاله.
[160]- س: اذكر الدليلَ على أن الجاهلَ في أصولِ الدِّينِ لا يُعذَر.
[161]- س: ما هو الفرضُ الأول في حقَّ الأهل أن يتعلّموه؟
[162]- س: ما معنى قول الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إلّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [سورة الذاريات/56].
[132]- س: ما معنى القَدَر؟
ج: قال بعضُ العلماءِ: القدرُ هوَ تدبيرُ الأشياءِ على وجهٍ مُطابِقٍ لعلمِ الله الأزليّ ومشيئتِهِ الأزليةِ فيُوجِدُها في الوقتِ الذي عَلِمَ أنها تكونُ فيه، فيدخلُ في ذلكَ عملُ العبدِ الخيرَ والشرَّ باختيارهِ. ويدُلُّ عليه قولُ رسولِ الله إلى جبريلَ حينَ سألهُ عن الإيمانِ: "الإيمانُ أن تُؤمِنَ بالله وملائكتهِ وكتُبِهِ ورُسُلِهِ واليوم الآخرِ وتُؤمِنَ بالقَدَرِ خَيرِهِ وشرِّه" رواه مسلم.
ومعناهُ: أنَّ المخلوقاتِ التي قدَّرها الله تعالى وفيها الخيرُ واشرُّ وُجِدَتْ بتقديرِ الله الأزليّ، وأما تقديرُ الله الذي هُوَ صفةُ ذاتِهِ فهوَ لا يوصَفُ بالشرّ بل تقديرُ الله للشر الكفر والمعصيةِ وتقديرُهُ للإيمانِ والطاعةِ حسنٌ منه ليس قبيحًا.
[133]- س: ما الدليلُ على أن مشيئةَ الله نافذةٌ في جميعِ مراداته؟
ج: إرادةُ الله تعالى نافِذةٌ في جميعِ مُراداتِهِ على حسبِ عِلمِهِ بها، فما علمَ كونَهُ أرادَ كونَهُ في الوقتِ الذي يكونُ فيه، وما عَلِمَ أنهُ لا يكونُ لم يُرِدْ أن يكون.
فلا يحدُثُ في العالمِ شئٌ إلا بمشيئتِهِ ولا يُصيبُ العبدَ شئٌ من الخيرِ أو الشرِّ أو الصحةِ أو المرضِ أو الفقرِ أو الغِنى أو غير ذلكَ إلا بمشيئةِ الله تعالى، ولا يُخطئُ العبدَ شئٌ قدَّرَ الله وشاءَ أن يصيبهُ، فقد وردَ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم علَّمَ بعضَ بناتِهِ: "ما شاءَ اللهُ كانَ وما لم يشأْ لمْ يكُن" رواهُ أبو داودَ في السننِ ثمَّ تواترَ واستفاضَ بينَ أفرادِ الأمةِ.
[134]- س: اذكر قول الإمام علي في القدر.
ج: روى البيهقيُّ رحمه الله تعالى عن سيدنا عليّ رضي الله عنهُ أنهُ قال: "إنَّ أحدَكُم لنْ يَخْلُصَ الإيمانُ إلى قلبِهِ حتى يَستَيْقِنَ يقينًا غيرَ شكٍّ أنَّ ما أصابَهُ لم يَكُنْ ليُخطِئَهُ وما أخطأهُ لم يكن ليُصيبَهُ، ويُقرَّ بالقدرِ كلهِ" أي لا يجوزُ أن يُؤمنَ ببعضِ القدرِ ويكفُرَ ببعضٍ.
[135]- س: اذكر ما قالهُ عُمَرُ ردًّا على مَن قالَ إنّ الله لا يُضِلُّ أحدًا.
ج: روى البيهقيُّ بالإسنادِ الصحيحِ أنَّ عمرَ بنَ الخطابِ كانَ بالجابيةِ -وهي أرضٌ من الشام- فقامَ خطيبًا فحمِدَ الله وأثنى عليه ثم قال: "مَنْ يَهِدِ الله فلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِيَ لهُ"، وكان عندهُ كافرٌ من كفّارِ العجَم من أهلِ الذمةِ فقالَ بلُغَتِهِ: "إنَّ الله لا يُضلُّ أحدًا"، فقالَ عُمَرُ للترجُمانِ: "ماذا يقولُ؟" قال: إنهُ يقولُ: إنَّ الله لا يُضلُّ أحدًا، فقالَ عمر: "كذبتَ يا عدوَّ الله ولَوْلَا أنَّكَ مِن أهلَ الذِّمةِ لضربتُ عُنقكَ هُوَ أضلَّكَ وهُوَ يُدخِلكَ النَّارَ إن شاءَ".
[136]- س: اذكر الأبياتَ التي كان يُعْجَبُ بهن عمرُ مما يتعلقُ بالقدرِ واشرح معناها.
ج: روى الحافظُ أبو نعيم عن ابنِ أخي الزُّهريّ عن عمّه الزهري أنَّ عُمر بنَ الخطابِ كان يحبُّ قصيدةَ لبيدِ بن ربيعةَ التي منها هذهِ الأبياتُ، وهيَ:
إنَّ تَقْوى ربّنا خيرُ نَفَلْ *** وبإذنِ الله رَيْثي وعَجَلْ
أحمدُ الله فلا نِدَّ لهُ *** بيدَيْهِ الخيرُ ما شاءَ فعلْ
مَنْ هداهُ سُبُلَ الخيرِ اهتَدى *** ناعِمَ البالِ ومَنْ شاءَ أضل
ومعنى قوله: "إنّ تقوى ربنا خيرُ نفل" أي خيرُ ما يُعْطَاهُ الإنسانُ.
ومعنى قوله: "وبإذنِ الله رَيثي وعَجَل" أي أنه لا يُبطئ مُبطِئ ولا يُسرعُ مُسْرِعٌ إلا بمشيئةِ الله وبإذنهِ.
وقوله: "أحمدُ الله فلا نِدّ له" أي لا مِثلَ له.
وقوله: "بيديه الخير" أي والشر.
وإنما اقتصرَ على ذكرِ الخيرِ من بابِ الاكتفاءِ كقولهِ تعالى: ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرَّ﴾ [سورة النحل/81]، أي والبردَ لأن السرابيلَ تقي منَ الأمرينِ ليسَ منَ الحرّ فقط.
وقولهِ: "ما شَاءَ فعل" أي ما أرادَ الله حُصولهُ لا بُدَّ أن يَحصُلَ وما أرادَ أن لَا يحصلَ فلا يحصلُ.
وقوله: "مَن هدَاهُ سُبُلَ الخيرِ اهتَدَى" أي من شاء الله له أن يكونَ على الصراطِ الصحيحِ المستقيمِ اهتدى.
وقولهِ: "ناعِمَ البال" أي مُطمئنَّ البالِ.
وقولِهِ: "ومَن شَاءَ أضلَّ" أي من شاء لهُ أن يكونَ ضالًا أضلَّهُ.
[137]- س: اذكر ما قالهُ الشافعيُّ لما سُئلَ عن القدرِ.
ج: روى البيهقيُّ عن الشافعيّ أنهُ قالَ حينَ سُئلَ عن القدرِ:
ما شِئْتَ كانَ وإن لم أشأْ *** وما شئتُ إن لمْ تشأ لم يكن
خَلقتَ العبادَ على ما علمتَ *** ففي العلمِ يجري الفتى والمُسنّ
على ذا مَنَنْتَ وهذا خذلْتَ *** وهذا أعنتَ وذا لم تُعِنْ
فمنهم شَقيٌّ ومنهم سعيدٌ *** وهذا قبيحٌ وهذا حَسَن
[138]- س: ما هو الدليل على أن الضمير في قوله تعالى: ﴿يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ﴾ يعود إلى الله لَا إلى العبد؟
ج: الضميرُ في قولهِ تعالى: ﴿يُضِلُّ مَنْ يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ﴾ [سورة النحل/93] يعودُ إلى الله لَا إلى العبد كما زعمت القدريةُ بدليل قولهِ تعالى إخبارًا عن سيّدنا موسى: ﴿إنْ هِيَ إلّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهْدِي مَن تَشَآءُ﴾ [سورة الأعراف/155].
[139]- س: اذكر ما تقولهُ الطائفةُ المنتسبةُ لأمين شيخو.
ج: الطائفةُ المنتسبةُ إلى أمين شيخو الذينَ زعيمُهُمُ اليومَ عبدُ الهادي الباني الذي هُوَ بدمشقَ جعلوا مَشيئةَ الله تابعةً لمشيئةِ العبدِ حيثُ قالوا إنْ شاءَ العبدُ الاهتداءَ شاء الله له الهدى وإنْ شاءَ العبدُ أنْ يَضِلَّ أضلَّهُ الله، فكذَّبوا بالآية: ﴿وَمَا تَشَآءُونَ إلّا أَن يَشَآءَ اللهُ﴾ [سورة التكوير/29]، فإنْ حاولَ بعضُهُم أنْ يَسْتَدِلَّ بآيةٍ منَ القرءانِ لِضدّ هذا المعنى قيلَ لهُ: القرءانُ يتصادَقُ ولا يتناقَضُ فليسَ في القرءانِ ءايةٌ نقيضَ ءايةٍ وليسَ هذا من بابِ الناسخِ والمَنسوخِ، لأنَّ النسخَ لا يدخلُ العقائدَ وليسَ مُوجِبًا للتناقُضِ فالنسخُ لا يدخلُ في الأخبارِ إنما هو في الأمرِ والنهي إنما النسخُ بيانُ انتهاءِ حُكمِ ءايةٍ سابقةٍ بحُكمِ ءايةٍ لاحِقةٍ، على أنَّ هذه الفئةَ لا تُؤمنُ بالناسِخِ والمَنْسُوخِ.
[140]- س: ماذا قالَ عليّ الرضا في القدر؟
ج: روى الحاكمُ رحمهُ الله تعالى على أنّ عليّ الرضا بن موسى الكاظم كان يقعُدُ في الروضةِ وهُوَ شابٌّ مُلتَحِفٌ بمَطرَفِ خَزّ فيسألهُ الناسُ ومشايخُ العلماءِ في المسجدِ، فسُئِلَ عن القدرِ فقالَ: قال اللهُ عزَّ مِنْ قائلٍ: ﴿إِنَّ المُجْرِمِينَ فِى ضَلَالٍ وَسُعُرٍ(47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ(48) إنَّا كُلَّ شَئٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدرٍ﴾ [سورة القمر/49].
ثمَّ قال عليّ الرضا: كانَ أبي يذكُر عن ءابائِهِ أنَّ أميرَ المُؤمِنينَ علي بن أبي طالب كانَ يقولُ: "إنَّ اللهَ خلقَ كلّ شئٍ بقدَرٍ حتَّى العَجْزَ والكَيْسَ وإليهِ المَشيئةُ وبهِ الحَوْلُ والقُوّةُ".
[141]- س: اذكر الردَّ على من ينسُب لله خلقَ الخيرِ دونَ الشرّ.
ج: العِبادُ مُنساقُونَ إلى فعلِ ما يصدُرُ عنهم باختيارِهم لَا بالإكراهِ والجَبْرِ كالريشةِ المعلقةِ تُميلُها الرياحُ يمنةً ويُسرةً كما تقولُ الجبريةُ.
ولوْ لمْ يشأ الله عِصيانَ العُصاةِ وكُفْرَ الكافرينَ وإيمانَ المؤمنينَ وطاعةَ الطائِعينَ لما خلقَ الجَّنةَ والنَّارَ.
ومَنْ ينسُبُ لله تعالى خلْقَ الخيرِ دونَ الشرِّ فقدْ نسبَ إلى الله تعالى العجزَ ولوْ كانَ كذلكَ لكانَ للعالَمِ مُدَبِّران، مدبرُ خَيرٍ ومُدَبّرُ شرّ وهذا كفرٌ وإشراكٌ.
وهذا الرأيُ السفيهُ من جهةٍ أخرى يجعلُ الله تعالى في مُلكِهِ مَغلوبًا، لأنهُ على حسبِ اعتقادِهِ الله تعالى أرادَ الخيرَ فقط فيكونُ قدْ وقعَ الشرُّ من عدوّهِ إبليسَ وأعوانِهِ الكُفّارِ رغمَ إرادتِهِ.
ويكفرُ مَنْ يعتقدُ هذا الرأيَ لمخالَفتِهِ قوله تعالى: ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾ [سورة يوسف/21] أيْ لا أحدَ يمنعُ نفاذَ مَشيئَتِهِ.
وحُكْمُ مَنْ ينسُبُ إلى الله تعالى الخيرَ وينسبُ إلى العبدِ الشرَّ أدبًا أنهُ لا حرجَ عليهِ، أما إذا اعتقدَ أنَّ الله خلقَ الخيرَ دونَ الشرّ فحكمُهُ التكفيرُ.
واعلموا رحِمَكُمُ الله أنَّ الله تعالى إذا عَذَّبَ العاصي فَبِعَدلِهِ من غيرِ ظلمٍ، وإذا أثابَ المُطيعَ فبِفضلِهِ من غيرِ وجُوبٍ عليهِ، لأنّ الظلمَ إنما يُتَصَوَّرُ مِمَّن لهُ ءامِرٌ وناهٍ ولا ءامِرَ لله ولا ناهيَ لهُ، فهوَ يَتَصرَّفُ في مُلكِهِ كما يشاءُ لأنهُ خالِقُ الأشياءِ ومالِكُها.
[142]- س: اذكر حديثًا فيه تكفيرُ من لم يُؤمن بالقدر.
ج: جاءَ في الحديثِ الصحيحِ الذي رواهُ الإمامُ أحمدُ في مُسندِهِ والإمامُ أبو داودَ في سُننهِ وابن حبانَ عن ابن الدَّيلمي قالَ: "أتيتُ أُبَيَّ بنَ كعب فقلتُ: يا أبا المنذر، إنهُ حدثَ في نفسي شئٌ من هذا القَدَرِ فحدّثني لعلَّ الله ينفعني"، قال: "إنَّ الله لوْ عذَّبَ أهلَ أرضِهِ وسمواتِهِ لعذَّبَهُم وهُوَ غيرُ ظالمٍ لهُم ولوْ رَحِمَهُم كانت رحمتهُ خيرًا لهُم منْ أعمالِهم، ولوْ أنفقتَ مثلَ أُحُدٍ ذهبًا في سبيلِ الله ما قبِلهُ اللهُ منكَ حتَّى تُؤمِنَ بالقَدَر، وتعْلَمَ أنَّ ما أصَابكَ لم يَكُن ليُخطِئَكَ وما أخطأكَ لم يكن ليُصيبَكَ ولو مِتّ على غيرِ هذا دخلتَ النَّارَ".
قالَ: ثمَّ أتيتُ عبدَ الله بنَ مسعودٍ فحدَّثني مثلَ ذلك، ثمَّ أتيتُ حُذيفةَ بنَ اليمانِ فحدثني مثل ذلك، ثم أتيتُ زيدَ بن ثابتٍ فحدثني مثل ذلك عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم.
[143]- س: اذكر حديث مسلم والبيهقي الذي يدلُّ على أن كلّ شئ بتقديرِ الله وخلقِهِ.
ج: روى مسلمٌ في صحيحهِ والبيهقيُّ في كتابِ القدرِ عن أبي الأسودِ الدُّؤَليّ قال: قال لي عِمرانُ بنُ الحُصَينِ: أرأيتَ ما يعملُ الناسُ اليومَ ويَكْدَحونَ فيهِ أشئٌ قُضِيَ عليهم ومضى عليهم مِنْ قَدَرٍ قدْ سَبَقَ أوْ فيما يُستَقبَلونَ بهِ ممَّا أتاهُم به نبيُّهُم وثبتَتِ الحُجَّةُ عليهم؟ فقلتُ: بلْ شئٌ قُضيَ عليهم ومضى عليهم، قال فقالَ: أفلا يكونُ ظُلمًا، قالَ: ففزعْتُ من ذلكَ فزعًا شديدًا وقلتُ: كلُّ شئٍ خلْقُهُ ومِلْكُ يدِهِ لا يُسْئَلُ عمَّا يفعل وهم يُسألون، قال: فقال لي: يرحمك الله إني لم أردْ بِما سألتُكَ إلا لأحْزِرَ عقلَكَ، إنَّ رَجُلَينِ من مُزَيْنةَ أتَيَا رسولَ الله فقالَا: يا رسولَ الله أرأيتَ ما يعملُ الناسُ اليومَ ويكدَحونَ فيهِ أشئٌ قُضِيَ عليهم ومضى عليهم مِنْ قَدَرٍ قدْ سبقَ أو فيما يُستَقْبَلُونَ بهِ مما أتاهُم بهِ نبيُّهُم وثبَتَتِ الحُجَّةُ عليهم؟
فقالَ: "بلْ شئٌ قُضِيَ عليهم ومضى عليهم"، ومِصْداقُ ذلكَ قولُ الله تباركَ وتعالى: ﴿ونَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فألْهَمَهَا فُجُورَهَا وتَقْوَاهَا﴾ [سورة الشمس/8].
[144]- س: ما معنى الحديث الذي رواه مسلمٌ من حديث أبي ذر عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عن اللهِ عزَّ وجلَّ: "فَمَن وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمد الله وَمَن وَجَدَ غيرَ ذلَك فَلَا َيَلُومَنَّ إلّا نَفْسَه"؟
ج: أمّا الأولُ: وهو من وجدَ خيرًا فلأنَّ الله تعالى متفضلٌ عليه بالإيجادِ والتوفيقِ من غيرِ وجوبٍ عليه، فليَحمدِ العبدُ ربَّهُ على تفضُّلِهِ عليه.
أما الثاني: وهو من وجدَ شرًّا فلأنهُ تعالى أبرزَ بقدرَتِهِ ما كانَ من ميلِ العبدِ السيّءِ فمن أضلَّهُ الله فبعدلِهِ ومن هداهُ فبِفَضلهِ.
[145]- س: ما جوابُ من يسألُ إذا كانَ كلُّ شئٍ بتقديرِ الله لِمَ لَمْ يخلق الله الخلقَ ويدخلهم فورًا إلى الجنَّةِ والنَّار؟
ج: الجواب هو لو أنَّ الله خلقَ الخلق وأدخلَ فريقًا الجنةَ وفريقًا النارَ لسابِقِ علمِهِ أنهم لا يؤمنونَ لكانَ شأنُ المعَذَّبِ منهُم ما وصفَ الله بقولهِ: ﴿وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّنْ قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فنَتَّبِعَ ءَايَاتِكَ مِنْ قبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى﴾ [سورة طه/134]
فأرسلَ الله الرسُلَ مُبَشّرينَ ومُنذرينَ ليُظهرَ ما في استِعدادِ العبدِ منَ الطَّوْعِ والإباءِ فيَهلِكَ مَنْ هلكَ عن بيّنةٍ ويحيا مَنْ يحيَا عن بيّنةٍ.
فأخبرنا أنَّ قِسمًا من خلقهِ مصيرُهُم النَّارُ بأعمالِهم التي يعملونَ باختيارهم، وكانَ تعالى عالِمًا بعلمِهِ الأزليّ أنهُم لَا يُؤمنونَ، قال تعالى: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَاتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ القَوْلُ مِنِّي لَامْلَانَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [سورة السجدة/13] أخبرَ الله تعالى في هذه الآيةِ أنهُ قال في الأزلِ: ﴿لَامْلَانَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ وقولُهُ صِدْقٌ لا يَتَخَلَّفُ لأنَّ التخلفَ أي التَّغيُّرَ كذِبٌ والكذِبُ محالٌ على الله.
[146]- س: ما معنى قوله تعالى: ﴿قُلْ فَلِلَّهِ الحُجَّةُ البَالِغَةُ فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [سورة الأنعام/149].
ج: أي ولكنهُ لم يشأ هدايةَ جميعكم إذ لم يسبق العلم بذلك، فالعبادُ مُنساقونَ إلى فعل ما يصدرُ عنهم باختيارهم لا بالإكراهِ والجَبر.
[147]- س: ما معنى حديث: "إِذَا ذُكِرَ القَدَرُ فَأَمْسِكُوا"؟
ج: واعلَمْ أنَّ ما ذكرناهُ منْ أمرِ القدرِ ليسَ منَ الخَوْضِ الذي نهى النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عنهُ بقولهِ: "إِذَا ذُكِرَ القَدَرُ فَأَمْسِكُوا" رواهُ الطبرانيُّ، لأنَّ هذا تفسيرٌ للقدرِ الذي وردَ بهِ النصُّ، وأما المَنْهِيُّ عنهُ فهوَ الخوضُ فيهِ للوصولِ إلى سِرِّهِ، فقد روى الشافعيُّ والحافظُ ابنُ عساكرَ عن عليٍّ رضِيَ اللهُ عنهُ أنهُ قالَ للسائلِ عن القدرِ: "يِرُّ الله فَلَا تَتَكَلَّفْ"، فلمَّا ألحَّ عليهِ قال لهُ: "أمَّا إذْ أبَيْتَ فَإِنَّهُ أَمْرٌ بَيْنَ أَمْرَينِ لَا جَبْرٌ وَلَا تَفْوِيضٌ".
[148]- س: اذكر الحديث الذي فيه ذم القدرية.
ج: اعلَمْ أيضًا أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قدْ ذمَّ القدريةَ وهُمْ فِرَقٌ، فمنهُم مَن يقولُ: العبدُ خالقٌ لجميعِ فعلهِ الاختياريّ، ومنهُم مَن يقولُ هُوَ خالقُ الشرّ دونَ الخيرِ وكِلا الفريقَينِ كفّارٌ، قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "القَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هذِهِ الأُمَّةِ" وفي روايةٍ لهذا الحديثِ: "لِكُلِّ أمَّةٍ مَجُوسٌ، وَمَجُوسُ هَذِهِ الأُمَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا قَدَرَ" رواهُ أبو داود عن حذيفةَ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم.
[149]- س: اذكر الدليلَ على كُفرِ المعتزلةِ القائِلينَ إنّ الإنسانَ يخلقُ أفعاله.
ج: في كِتاب "القدر" للبيهقي وكتاب "تهذيب الآثار" للإمام ابن جَرير الطبريّ رحمهما الله تعالى عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَر أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قال: "صِنْفَانِ مِن أُمَّتِي ليسَ لهُمَا نَصِيبٌ في الإسْلَامِ القَدَرِيَّةُ وَالمُرْجِئَةُ 1".
فالمعتزلة همُ القدريةُ لأنّهُم جعلوا الله والعبدَ سواسيةً بنَفيِ القُدرةِ عنهُ عزَّ وجلَّ على ما يُقْدِرُ عليه عبدهُ، فكأنَّهُم يُثبِتونَ خالِقينَ في الحقيقةِ كما أثبتَ المجوسُ خالقينَ خالِقًا للخيرِ هوَ عندهُم النورُ وخالقًا للشرِّ هو عندهم الظلامُ.
[150]- س: اذكر مَعْنَيَيِ الهِدايةِ.
ج: الهدايةُ على وَجْهَينِ:
أحدُهما: إبانةُ الحقّ والدُّعاءُ إليهِ، ونَصْبُ الأدلةِ عليه، وعلى هذا الوجهِ يَصِحُّ إضافةُ الهِدايةِ إلى الرسلِ وإلى كُلّ داعٍ لله.
كقولهِ تعالى في رسولهِ محمّد صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: ﴿وَإنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [سورة الشورى/52].
وقولهِ تعالى: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّواْ العَمَى عَلَى الهُدَى﴾ [سورة فصلت/17].
والثاني: من جهةِ هدايةِ الله تعالى لعبادِهِ، أيْ خَلْقِ الاهتِداءِ في قُلوبهم كقولهِ تعالى: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا﴾ [سورة الأنعام/125].
والإضلالُ خلقُ الضلالِ في قلوبِ أهلِ الضلالِ.
فالعبادُ مشيئتُهُم تابعةٌ لمشيئةِ الله قالَ تعالى: ﴿وَمَا تَشَآءُونَ إلّا أَن يَشَآءَ الله﴾ [سورة الإنسان/30].
[151]- س: اذكر الدليلَ على أن تقديرَ الله لَا يتغيّر.
ج: اعْلَمْ أنَّ تقديرَ الله تعالى الأزليّ لا يُغيِّرُهُ شئٌ لا دَعوةُ داعٍ ولا صدقةُ مُتَصدِّقٍ ولا صلاةُ مُصَلٍّ ولا غيرُ ذلكَ منَ الحسناتِ بلْ لا بُدَّ أن يكونَ الخَلْقُ على ما قدَّرَ لهُم في الأزلِ مِنْ غيرِ أنْ يَتَغيَّرَ ذلكَ.
[152]- س: ما معنى قوله تعالى: ﴿يَمْحُواْ اللهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعنْدَهُ أمُّ الكِتَابِ﴾؟
ج: أمّا قولُ الله تعالى: ﴿يَمْحُواْ اللهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أمُّ الْكِتَابِ﴾ [سورة الرعد/39] فليسَ معناهُ أنَّ المحوَ والإثباتَ في تقديرِ الله، بل المعنى في هذا أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ ثناؤهُ قد كتبَ ما يُصيبُ العبدَ من عبادِهِ من البلاءِ والحِرمانِ والموتِ وغيرِ ذلكَ وأنهُ إنْ دعا الله تعالى أو أطاعَهُ في صلةِ الرَّحمِ وغيرها لم يُصِبْهُ ذلكَ البلاءُ ورزقَهُ كثيرًا أو عمَّرَهُ طويلاً، وكتبَ في أمّ الكتابِ ما هُوَ كائنٌ من الأمرَينِ، فالمَحْوُ والإثباتُ راجِعٌ إلى أحدِ الكتابَينِ كما أشارَ إليه ابنُ عباسٍ، فقد روى البيهقيُّ عن ابنِ عبَّاسٍ في قولِ اللهِ عزَّ وجلَّ: ﴿يَمْحُواْ اللهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أمُّ الكِتَابِ﴾ قالَ: "يَمْحُواْ اللهُ مَا يَشَآءُ مِن أَحَدِ الكِتَابَينِ، هُمَا كِتَابَانِ يَمْحُواْ اللهُ مَا يَشَآءُ مِن أحَدِهِمَا وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أمُّ الكِتَابِ"اهـ.
والمحوُ يكونُ في غيرِ الشَّقاوةِ والسَّعادةِ، فقدْ روى البيهقيُّ أيضًا عن مُجاهِدٍ أنهُ قالَ في تفسيرِ قولِ الله تعالى: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ [سورة الدخان/4] "يُفرَقُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ مَا يَكُونُ فِي السَّنَةِ مِنْ رِزْقٍ أَوْ مُصِيبَةٍ، فَأَمَّا كِتَابُ الشَّقَاءِ وَالسَّعَادَةِ فَإنَّهُ ثَابِتٌ لَا يُغَيَّرُ". اهـ.
فلِذلكَ لا يصحُّ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم الدعاءُ الذي فيه: "إنْ كنتَ كَتَبتني في أمّ الكتابِ عندَكَ شقِيًّا فامْحُ عنّي اسمَ الشقاءِ وأثبِتْني عندَكَ سعيدًا، وإن كُنتَ كَتبتَنِي في أمّ الكتابِ مَحرومًا مُقَتَّرًا عليَّ رزقي فامْحُ عني حِرماني وتقتيرَ رزقي وأثبتني عندكَ سعيدًا مُوَفَّقًا للخيرِ، فإنكَ تقولُ في كِتابكَ: ﴿يَمْحُواْ اللهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتَابِ﴾ [سورة الرعد/39]" ولا ما أشْبَهَهُ، ولم يصِحَّ هذا الدُّعاءُ أيْضًا عن عُمَرَ ولا عن مجاهدٍ ولا عن غيرِهما منَ السلفِ كما يُعلَمُ ذلكَ من كتابِ "القدرِ" للبيهقي.
[153]- س: اذكر تقسيمَ الأمورِ إلى أربعة من حيثُ تعلق المشيئة والأمر.
ج: الأمورُ على أربعةِ أقسام:
الأولُ: شئٌ شاءَهُ الله وأمرَ بهِ: وهوَ إيمانُ المؤمنينَ وطاعةُ الطائِعينَ.
والثاني: شئٌ شاءَهُ الله ولمْ يأمُرْ بهِ: وهُو عِصْيانُ العُصاةِ وكُفرُ الكافرينَ، إلّا أنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الكُفرَ معَ أنهُ خلقَهُ بمشيئَتِهِ ولا يَرضاهُ لعبادهِ، قال تعالى: ﴿وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الكُفْرَ﴾ [سورة الزمر/7].
والثالثُ: أمرٌ لم يشأهُ الله وأمرَ بهِ: وهُوَ الإيمانُ بالنسبةِ للكافرينَ الذينَ علمَ الله أنهم يموتونَ على الكفرِ أُمِروا بالإيمانِ ولم يشأهُ لهُم.
والرابعُ: أمرٌ لم يشأه ولم يأمُرْ بهِ: وهُوَ الكفرُ بالنسبةِ للأنبياءِ والملائكةِ.
ومَنْ كانَ مؤمِنًا بالقُرءانِ الكريم فلْيَقِفْ عندَ قولهِ تعالى: ﴿لَا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ﴾ [سورة الأنبياء/23].
فلا يُقالُ كيفَ يعذّبُ العُصاةَ على معاصيهِمْ التي شاءَ وقُوعَها مِنهُم في الآخرةِ.
[154]- س: ما معنى توحيد الله في الفعل؟
ج: رُوِيَ عن الجُنَيدِ إمام الصوفيةِ العارفينَ عندما سُئِلَ عن التوحيدِ أنهُ قالَ: "اليقينُ" ثمّ استُفسِرَ عن معناهُ فقالَ: "إنهُ لا مُكَوّنَ لشئٍ منَ الأشياءِ منَ الأعيانِ والأعمالِ خالِقٌ لها إلا الله تعالى"، قال تعالى: ﴿وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلونَ﴾ [سورة الصافات/96].
وقال الرسولُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "إنَّ اللهَ صانِعُ كُلّ صانعٍ وصَنعَتِهِ" رواهُ الحاكمُ والبيهقيّ وابنُ حبانَ من حديثِ حُذيفةَ.
إذِ العبادُ لا يَخلقُونَ شيئًا من أعْمالِهم وإنّما يكتَسِبونَها، فقد قال الله تعالى: ﴿اللهُ خَالِقُ كُلّ شئٍ﴾ [سورة الرعد/16] تمدَّحَ تعالى بذلكَ لأنهُ شئٌ يَختصُّ بهِ، وذلكَ يقتضي العُمومَ والشُّمولَ للأعيانِ والأعمالِ والحركاتِ والسكناتِ.
[155]- س: اذكر الدليلَ على أن الله خالق الأعمالِ الاختياريةِ والاضطرارية.
ج: قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للهِ رَبِّ العَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهَ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ المُسْلِمنَ﴾ [سورة الأنعام/163].
ساقَ اللهُ الصلاةَ والنسكَ والمحْيا والمماتَ في مساقٍ واحِدٍ وجعلها مِلْكًا لهُ. فكَما أنّ الله خالقُ الحياةِ والموتِ كذلكَ اللهُ خالقٌ للأعمالِ الاختياريةِ كالصَّلاةِ والنسكِ، والحركاتِ الاضطراريةِ من بابِ الأولى.
وإنَّما تمتازُ الأعمالُ الاختياريَّةُ أي التي لنا فيها ميلٌ بكَونِها مُكتسبةً لنا فهيَ محلُّ التكليفِ.
والكَسْبُ الذي هوَ فعلُ العبدِ وعليهِ يُثابُ أو يُؤاخَذُ في الآخرةِ هُو توجيهُ العبدِ قصدَهُ وإرادتهُ نحوَ العملِ أي يصرف إليهِ قدرتهُ فيخلُقُه الله عندَ ذلكَ.
فالعبدُ كاسِبٌ لعَمَلهِ والله تعالى خالقٌ لعمل هذا العبدِ الذي هُو كَسْبٌ له، وهذه المسألةُ من أغْمَضِ المسائلِ في هذا العلمِ.
[156]- س: اذكر الدليلَ على كفرِ المعتزلةِ من كلامِ العلماء.
ج: يكفُرُ مَنْ يقولُ إنَّ العبدَ يخلقُ أعمالهُ كالمُعتزلةِ، كما قالَ ابنُ عبَّاسٍ رضيَ الله عنهُ: "كلامُ القدريةِ كُفرٌ" والقدريةُ همُ المُعتزلةُ.
قالَ أبو يوسُفَ: "المُعتزلةُ زنادِقةٌ"..
وَوَصَفهُم أبو مَنصورٍ التميميّ في كِتابهِ "الفرقُ بينَ الفِرَقِ": بأنَّهُم مُشرِكونَ. وأبو منصور هُوَ الذي قالَ فيهِ ابنُ حجرٍ الهيتمي هذهِ العبارةَ: "وقالَ الإمامُ الكبيرُ إمامُ أصحابِنا أبو منصورٍ البغداديّ"، وهُوَ مِمَّن كتبَ عنهُ البيهقيّ في الحديثِ.
[157]- س: اذكر قولَ الإمام البغدادي في تكفيرهِ المعتزلة.
ج: قال الإمامُ البغداديُّ في كِتابهِ "تفسيرُ الأسماءِ والصفاتِ": "أصحابُنا أجْمَعوا على تَكْفيرِ المعتزلةِ" أي الذينَ يقولون: العبدُ يخلقُ أفعالهُ الاختيارية، وكذلكَ الذينَ يقولونَ فرضٌ على الله أن يفعلَ ما هو الأصلحُ للعبادِ.
وقولهُ: "أصحابُنا" يعني بهِ الأشعريةَ والشافعيةَ لأنهُ أشعريٌّ شافعيٌّ بلْ هُوَ رأسٌ كبيرٌ في الشافعيةِ كما قالَ ابنُ حجر وهُوَ إمامٌ مُقَدَّمٌ في النَّقْلِ مَعروفٌ بذلكَ بينَ الفقهاءِ والأصوليينَ والمؤرّخينَ الذينَ ألّفُوا في الفِرقِ، فمن أرادَ مَزيدَ التَّأكُّد فليُطالِع كتبهُ هذهِ، فلا يُدافعُ نقلُهُ بكلامِ الباجُوريّ وأمثالهِ ممّن هُوَ من قَبْلِ عصرهِ أو بعدَهُ.
[158]- س: على ماذا يُحملُ كلامُ مَنْ لم يكفِّر المعتزلة؟
ج: كلامُ بعضِ المتقدّمينَ من تركِ تكفيرهم محمولٌ على مثلِ بِشرٍ المريسي والمأمون العبّاسي، فإنَّ بِشْرًا كانَ مُوافِقَهُم في القولِ بخلقِ القرءانِ وكفَّرهم في القولِ بخلقِ الأفعالِ فلا يُحْكَمُ على جميعِ مَنِ انتسبَ إلى الاعتزالِ بحُكمٍ واحدٍ ويُحكَمُ على كلّ فردٍ منهم بكونِهِ ضالًا.
[159]- س: اذكر الدليلَ العقليَّ على فسادِ قولِ المعتزلةِ إنّ العبدَ يخلقُ أفعاله.
ج: قالَ أهلُ الحقّ: "امتَنَعَ خلْقُ العبدِ لفعلهِ لعُمُومِ قُدرةِ الله تعالى وإرادَتِهِ وعِلْمِهِ".
وبيانُ الدليلِ على ذلكَ أنّ قدرةَ الله عامةٌ وعلمهُ عامّ وإرادتهُ عامة فإنَّ نِسْبَتها إلى المُمكِناتِ نسبةٌ واحدةٌ.
فإنَّ وُجودَ الممكنِ العقليّ إنَّما احْتاجَ إلى القادرِ من حيثُ إمْكانُه وحدوثُه. .
فلوْ تَخصَّصَت صِفاتُهُ هذهِ ببعضِ الممكناتِ للَزِمَ اتّصافهُ تعالى بنقيضِ تلكَ الصفاتِ من الجهلِ والعَجْزِ وذلكَ نقصٌ والنَّقصُ عليهِ مُحالٌ. ولاقْتَضَى تَخَصُّصُها مُخَصّصًا وتَعَلَّقَ المخصَّصُ بذاتِ الواجِبِ الوُجُودِ وصِفاتِه وذلكَ مُحالٌ. فإذًا ثبتَ عُمومُ صِفاتِهِ. فلو أرادَ الله تعالى إيجادَ حادِثٍ وأرادَ العبدُ خلافهُ ونَفذَ مُرادُ العبدِ دونَ مُرادِ الله للَزِمَ المحالُ المفروضُ في إثباتِ إلهينِ، وتعدُّدُ الإلهِ محالٌ بالبُرهانِ، فما أدَّى إلى المحالِ محالٌ.
[160]- س: اذكر الدليلَ على أن الجاهلَ في أصولِ الدِّينِ لا يُعذَر.
ج: لا يُعْفى الجاهِلُ ممّا ذكرناهُ منَ الأصولِ، ولا يُعذَرُ فيما يقعُ منهُ منَ الكفرِ لعدمِ اهتِمامِهِ بالدّينِ.
ولو كانَ الجهلُ يُسْقِطُ المؤاخذةَ لكانَ الجهلُ خيرًا منَ العلمِ وهذا خِلافُ قولهِ تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [سورة الزمر/9]. .
إلا أنَّ من كانَ قريبَ عهدٍ بإسلامٍ ونحوَه لا يكفرُ بإنكارِ فرضيَّةِ الصَّلاةِ وتحريمِ الخمرِ ونحوِ ذلكَ إن لم يكُن سَمِعَ أنَّ هذا من دينِ الإسلامِ.
[161]- س: ما هو الفرضُ الأول في حقَّ الأهل أن يتعلّموه؟
ج: الفرضُ الأولُ في حقّ الأهلِ تعليمُهُمْ أصولَ العقيدةِ كيلا يقَعوا في الكفرِ بجهلِهِم بالعقيدةِ فإن اعتقدوا أنَّ اللهَ جسمٌ نورانيٌّ أبيضُ فاستَمَرُّوا بعدَ البلوغِ على ذلكَ فماتوا عليهِ خُلِّدوا في النَّارِ نتيجةَ اعتقاداتِهمُ الفاسدةِ.
قال الفُضيلُ بنُ عياضٍ: "لَا يَغُرَّنَّكَ كَثْرَةُ الهَالِكِينَ"، فهل هذا الجهلُ في العقيدةِ هو نتيجةُ محبةِ الأهلِ لأبنائهم؟
[162]- س: ما معنى قول الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إلّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [سورة الذاريات/56].
ج: جاءَ في تفسيرِ الآيةِ: أي وما خلقَ الله الجِنّ والإنسَ إلا ليأمُرَهُم بعبادتِهِ.
وبعدَ أن جاءَنا الهُدَى وهو الرسولُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وقامت علينا الحُجَّةُ به فلا عُذرَ لنا، قال تعالى: ﴿وَمُا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [سورة الإسراء/15].