[107]- س: ما معنى المحكمِ والمُتشابهِ؟
[108]- س: ما معنى قوله تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾؟
[109]- س: كيف يكون تفسير الآيات المتشابهة؟
[110]- س: بيّن مسلك السلفِ في تأويلِ الآياتِ المتشابهاتِ.
[111]- س: كيفَ يُرَدُّ على من نفى التأويل التفصيلي عن السلف؟
[112]- س: ما هو مسلكُ الخلفِ في تأويلِ الآياتِ المتشابهة؟
[113]- س: ما معنى قوله تعالى: ﴿مِن رُوحِنَا﴾ وقوله ﴿مِن رُوحِي﴾؟
[114]- س: ما معنى قولهِ تعالى في الكعبةِ: ﴿بَيْتِيَ﴾؟
[115]- س: ما تفسيرُ قولِهِ تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى﴾؟
[116]- س: ما هي فائدةُ تخصيصِ العرشِ بالذكْرِ؟
[117]- س: ما هو التأويل الإجماليّ لقوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى﴾؟
[118]- س: ما معنى قول السلف "استوى بلا كيف"؟
[119]- س: كيفَ يُرَدُّ على المشبهِ الذي يقولُ إذا قلتم الله موجودٌ بلا مكانٍ تكونونَ نفيتم وجودَه؟
[120]- س: كيفَ ترد على المشبهِ في حملهِ ءايةَ الاستواءِ على ظاهِرها؟
[121]- س: كيفَ ترُدّ على من يمنعُ التأويلَ مُطلقًا؟
[122]- س: ما معنى الآية ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِن فَوْقِهِمْ﴾؟
[123]- س: ما معنى الآية: ﴿وَجَآءَ رَبُّكَ وَالمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾؟
[124]- س: ما معنى قوله تعالى: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَينَ مَا كُنتُمْ﴾؟
[125]- س: ما معنى الله أكبر؟
[126]- س: مَن مِنَ الكُفارِ نسبَ إلى الله التعبَ؟
[127]- س: اذكر حكمَ مَن قالَ لله أذن.
[128]- س: ما معنى قوله تعالى: ﴿فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ﴾؟
[129]- س: ما حكمُ من يعتقدُ الجارحة لله تعالى؟
[130]- س: ما معنى قوله تعالى: ﴿اللهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾؟
[131]- س: ما أصرحُ دليلٍ في القرءانِ على أنَّ الله ليسَ حجمًا كثيفًا ولا لطيفًا؟
[107]- س: ما معنى المحكمِ والمُتشابهِ؟
ج: لفهمِ هذا الموضوع كما ينبغي يجبُ معرفةُ أنَّ القرءانَ توجدُ فيهِ ءاياتٌ مُحكماتٌ وءاياتٌ مُتشابهاتٌ، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنهُ ءَايَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم زَيْغٌ فيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَآءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَآءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِن عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَكَّرُ إلّا أُوْلُواْ الْأَلْبَابِ﴾ [سورة ءال عمران/7].
الآياتُ المحكمةُ: هيَ ما لا يحتملُ منَ التأويلِ بحسبِ وضعِ اللغةِ إلّا وجهًا واحدًا، أوْ ما عُرفَ المرادُ بهِ بوضوحٍ كقولهِ تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلهِ شَئٌ﴾، وقوله: ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًاْ أَحَدٌ﴾، وقوله: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لهُ سَمِيًّا﴾ [سورة مريم/65].
الآياتُ المُتشابهةُ: والتشابهُ هوَ ما لم تتضح دلالتهُ أو يحتملُ أوْجُهًا عديدةً واحتاجَ إلى النظرِ لحملهِ على الوجهِ المطابقِ كقولهِ تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى﴾ [سورة طه/5].
[108]- س: ما معنى قوله تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾؟
ج: قوله تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ [سورة فاطر/10] أي أنَّ الكلمَ الطيبَ كَلَا إلهَ إلّا اللهُ يصعدُ إلى محلّ كرامَتِهِ وهوَ السَّماءُ، والعملُ الصالحُ يرفعهُ أي الكلمُ الطيبُ يرفعُ العمل الصالحَ وهذا مُنْطَبِقٌ ومنسَجِمٌ معَ الآيةِ المُحكمةِ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَئٌ﴾.
[109]- س: كيف يكون تفسير الآيات المتشابهة؟
ج: تفسيرُ الأياتِ المُتشابهةِ يجبُ أن يُرَدَّ إلى الآياتِ المُحكمةِ، هذا في المُتشابهِ الذي يجوزُ للعلماءِ أنْ يعلَموهُ، وأما المُتشابهُ الذي أُريدَ بقوله: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلّا اللهُ﴾ [سورة ءال عمران/7] على قراءةِ الوقفِ على لفظ الجلالةِ فهوَ ما كانَ مثلَ وجبَةِ القيامةِ، وخروجِ الدجالِ على التحديدِ فليسَ من قبيلِ ءايةِ الاستواءِ.
[110]- س: بيّن مسلك السلفِ في تأويلِ الآياتِ المتشابهاتِ.
ج: مسلكُ السلفِ: وهُم أهلُ القرونِ الثلاثةِ الأولى أي أكثرهم فإنّهم يُؤوّلونها تأويلاً إجماليًا بالإيمانِ بها واعتِقادِ أنها ليست من صفاتِ الجسمِ بل أنَّ لها معنًى يليقُ بجلالِ الله وعظمتهِ بلا تعيين، بل رَدّوا تلكَ الآياتِ إلى الآياتِ المحكمةِ كقوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَئٌ﴾ [سورة الشورى/11].
وهوَ كما قال الإمام الشافعيُّ رضي الله عنهُ: "ءَامَنتُ بِما جاءَ عنِ اللهِ على مُرادِ الله وبِمَا جاءَ رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم على مُرَادِ رسول الله" يعني رضي الله عنه لا على ما قد تذهب إليهِ الأوهامُ والظنونُ من المعاني الحسيةِ الجسْميةِ التي لا تجوزُ في حق الله تعالى.
[111]- س: كيفَ يُرَدُّ على من نفى التأويل التفصيلي عن السلف؟
ج: نفيُ التأويل التفصيلي عن السلفِ كما زعمَ بعضٌ مردودٌ بما في صحيحِ البخاريّ في كتابِ تفسير القرءانِ وعبارتُهُ هُناكَ: [سورة القصص/88] ﴿كُلُّ شَئٍ هَالِكٌ إلّا وَجْهَهُ﴾ "إلّا ملكَهُ ويُقالُ ما يتقربُ بهِ إليهِ" اهـ، فملكُ الله صفةٌ من صفاتِهِ الأزليةِ ليسَ كالملكِ الذي يعطيهِ للمَخلوقينَ.
وفيهِ غيرُ هذا المَوضِعِ كتأويلِ الضَّحِكِ الواردِ في الحديثِ بالرحمةِ.
وصحَّ أيضًا التأويلُ التفصيليُّ عن الإمامِ أحمدَ وهوَ منَ السلفِ فقد ثبتَ عنهُ أنهُ قالَ في قولهِ تعالى: ﴿وَجَآءَ رَبُّكَ﴾ [سورة الفجر/22] إنما جاءتْ قُدرتُهُ، صححَ سندهُ الحافظُ البيهقيُّ الذي قالَ فيهِ الحافظُ صلاحُ الدَّينِ العلائي: "لَم يأتِ بعدَ البيهقي والدارَقطني مِثلهما ولا من يقاربُهُما". أما قولُ البيهقي ذلك ففي كتابِ "مناقبِ أحمدَ"، وأمّا قولُ الحافظِ أبي سعيدٍ العلائي في البيهقي والدارقُطني فذلك في كتابِهِ "الوَشْيُ المُعْلَمُ"، وأما الحافظُ أبو سعيدٍ فهوَ الذي يقولُ فيهِ الحافظُ ابنُ حجرٍ: "شيخُ مشايخنا" وكانَ من أهلِ القرنِ السابعِ الهجري.
وهُناكَ خلقٌ كثيرٌ منَ العُلماءِ ذكروا في تآليفهم أنَّ أحمدَ أوَّلَ منهُمُ الحافظُ عبدُ الرَّحمنِ بنُ الجوزيّ الذي هوَ أحدُ أساطينِ المذهبِ الحنبلي لكثرةِ اطّلاعِهِ على نصوصِ المذهبِ وأحوالِ أحمدَ.
وقد بيَّنَ أبو نصرٍ القُشيري رحمهُ الله الشَّناعةَ التي تلزمُ نُفاةَ التأويلِ، وأبو نصرٍ القُشيري هوَ الذي وصفهُ الحافظُ عبدُ الرزاقِ الطَّبسيّ بإمامِ الأئمةِ كما نقلَ ذلكَ الحافظُ ابنُ عساكرَ في كتابهِ "تبيينُ كذبِ المفتري".
[112]- س: ما هو مسلكُ الخلفِ في تأويلِ الآياتِ المتشابهة؟
ج: مسلكُ الخلفِ: أن يُؤَوّلُونها تفصيلًا بتعيينِ معانٍ لها مما تقتَضيهِ لغةُ العربِ ولا يحمِلُونها على ظواهِرها أيضًا كالسلفِ، ولا بأسَ بسلوكِهِ ولا سيما عندَ الخوفِ من تَزَلْزُلِ العقيدةِ حِفظًا منَ التشبيهِ مثلُ قولهِ تعالى في توبيخِ إبليسَ: ﴿مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدِيَّ﴾ [سورة ص/75].
فيجوزُ أن يُقالَ المرادُ باليدينِ العِنايةُ والحِفظُ.
[113]- س: ما معنى قوله تعالى: ﴿مِن رُوحِنَا﴾ وقوله ﴿مِن رُوحِي﴾؟
ج: ليُعلَمْ أنَّ الله تعالى خالقُ الروحِ والجسدِ فليسَ روحًا ولا جسدًا، ومعَ ذلكَ أضاف الله تعالى روحَ عيسى صلى الله عليه وسلم إلى نفسهِ على معنى المِلْكِ والتشريفِ لا للجزئيةِ في قوله تعالى: ﴿مِن رُوحِنَا﴾ [سورة الأنبياء/91]، وكذلك في حقّ ءادمَ قولهُ تعالى: ﴿مِن رُوحِي﴾ [سورة ص/72] فمعنى قوله تعالى: ﴿فنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُوحِنَا﴾ [سورة التحريم/12] أمرْنا جبريلَ عليه السَّلامُ أن ينفخَ في مريمَ الروحَ التي هيَ مِلكٌ لنا ومُشَرَّفةٌ عندنا.
لأنَّ الأرواحَ قِسمان: أرواحٌ مُشَرَّفةٌ، وأرواحٌ خبيثةٌ.
وأرواحُ الأنبياءِ منَ القسمِ الأولِ، فإضافةُ روحِ عيسى وروحِ ءادمَ إلى نفسهِ إضافةُ ملكٍ وتشريفٍ.
ويكفرُ من يعتقدُ أنَّ الله تعالى روحٌ، فالروحُ مخلوقةٌ تنَزَّهُ الله عن ذلكَ
[114]- س: ما معنى قولهِ تعالى في الكعبةِ: ﴿بَيْتِيَ﴾؟
ج: قولهُ تعالى في الكعبةِ ﴿بَيْتِيَ﴾ [سورة الحج/26] فهيَ إضافةُ مِلكٍ للتشريفِ لا إضافةُ صفةٍ أو مُلابسةٍ لاستحالةِ الْمُلامسةِ أو الْمُماسَّةِ بينَ الله والكعبةِ. وكذلكَ قولُ الله تعالى: ﴿رَبُّ العَرْشِ﴾ [سورة المؤمنون/116] ليسَ إلا للدلالةِ على أن الله خالقُ العرشِ الذي هو أعظمُ المخلوقاتِ ليسَ لأنّ العرشَ له ملابَسَةٌ لله بالجلوسِ عليهِ أو بمحاذاتِهِ من غيرِ جلوسٍ، ليسَ المعنى أنّ الله جالسٌ على عرشِهِ باتصالٍ وليس المعنى أنّ الله محاذٍ للعرشِ بوجودِ فراغٍ بينَ الله وبينَ العرشِ إن قُدّرَ ذلكَ الفراغُ واسعًا أو قصيرًا كلُّ ذلكَ مستحيلٌ على الله، وإنما مزيةُ العرشِ أنه كعبةُ الملائكةِ الحافينَ من حولهِ كما أن الكعبةَ شُرفَت بطوافِ المؤمنينَ بها. ومن خواصَ العرشِ أنه لم يُعصَ الله تعالى فيهِ، لأنَّ مَن حولهُ كلهمُ عبادٌ مُكرَمونَ لا يَعصونَ الله طرفةَ عينٍ، ومن اعتقدَ أن الله خلقَ العرشَ ليجلسَ عليه فقد شبَّهَ الله بالملوكِ الذينَ يعملونَ الأسِرَّةَ الكبارَ ليجلسوا عليها ومن اعتقدَ هذا لم يعرفِ الله.
ويكفرُ مَن يعتقدُ المُماسَّةَ لاسْتِحالتِها في حقّ الله تعالى.
[115]- س: ما تفسيرُ قولِهِ تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى﴾؟
ج: تفسيرُ الآيةِ: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى﴾ [سورة طه/5] يجبُ أن يكونَ تفسيرُ هذه الآيةِ بغيرِ الاستِقرارِ والجُلُوسِ ونحو ذلكَ ويكفُرُ من يعتقدُ ذلكَ، فيجبُ تركُ الحَمْلِ على الظاهرِ بلْ يُحمَلُ على محملٍ مُستقيمٍ في العُقولِ فتُحمَلُ لفظةُ الاستواءِ على القهرِ ففي لغةِ العربِ يقالُ استوى فلانٌ على المَمالِكِ إذا احتوى على مقاليدِ المُلْكِ واستعْلى على الرّقابِ.
كقولهِ الشاعرِ:
قد استوى بِشْرٌ على العراقِ *** مِنْ غيرِ سَيفٍ ودَمٍ مُهراقِ
[116]- س: ما هي فائدةُ تخصيصِ العرشِ بالذكْرِ؟
ج: فائدةُ تخصيصِ العرشِ بالذكرِ أنهُ أعظمُ مخلوقاتِ الله تعالى حجمًا فيُعْلَمُ شُمُولُ ما دُونَهُ مِنْ بابِ الأولى قالَ الإمامُ عليّ: "إنَّ اللهَ تعالى خلقَ العرشَ إظهارًا لقُدرَتِهِ ولمْ يتَّخِذهُ مكانًا لذاتِهِ" رواهُ الإمامُ المحدثُ الفقيهُ اللغويُّ أبو منصورٍ التميميُّ في كتابهِ التبصرةِ.
[117]- س: ما هو التأويل الإجماليّ لقوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى﴾؟
ج: يُقالُ: استوى استواءً يَعْلَمُهُ هُوَ معَ تنزيهِهِ عن استواءِ المَخلوقينَ كالجلوسِ والاستقرارِ.
[118]- س: ما معنى قول السلف "استوى بلا كيف"؟
ج: اعلَمْ أنهُ يجبُ الحذرُ من هؤلاءِ الذينَ يُجيزُونَ على اللهِ القعودَ على العرشِ والاستقرارَ عليهِ مُفَسّرينَ لقولهِ تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى﴾ بالجلوسِ أو المُحاذاةِ من فوق، ومُدَّعينَ أنهُ لا يُعقَلُ موجودٌ إلّا في مكانٍ، وحُجَّتُهم داحِضةٌ، ومُدَّعينَ أيضًا أنَّ قولَ السلفِ استوى بلا كيفٍ مُوافقٌ لذلكَ ولم يدْروا أنَّ الكَيفَ الذي نفاهُ السلفُ هوَ الجلوسُ والاستقرارُ والتّحَيُّزُ إلى المكانِ والُحاذاةُ وكلُّ الهيئاتِ من حركةٍ وسكونٍ وانفعالٍ.
[119]- س: كيفَ يُرَدُّ على المشبهِ الذي يقولُ إذا قلتم الله موجودٌ بلا مكانٍ تكونونَ نفيتم وجودَه؟
ج: نَردُّ عليه بما قالهُ القُشَيري: "والذي يدحَضُ شُبُهَهُم أن يُقالَ لهم: قبلَ أن يخلقَ العالَمَ أو المكانَ هلْ كانَ موجودًا أمْ لا؟ فمِن ضرورةِ العقلِ أن يقولوا بلى فيلزمهُ لوْ صحَّ قولهُ لا يعلَمُ موجودٌ إلا في مكانٍ أحدُ أمرَين:
إما أن يقولَ: المكانُ والعرشُ والعالمُ قديمٌ، وإمّا أن يقولَ: الربُّ مُحْدَثٌ، وهذا مآلُ الجهلةِ الحشويةِ، ليسَ القديمُ بالمُحدَثِ والمُحدَثُ بالقديمِ" اهـ.
[120]- س: كيفَ ترد على المشبهِ في حملهِ ءايةَ الاستواءِ على ظاهِرها؟
ج: قالَ القُشيري في التذكرةِ الشرقيَّةِ:
"فإنْ قيلَ أليسَ اللهُ يقولُ: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى﴾ [سورة طه/5] فيجبُ الأخذُ بظاهِرهِ، قُلنا: الله يقولُ أيضًا: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ [سورة الحديد/4]، ويقولُ: ﴿أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَئٍ مُحِيطٌ﴾ [سورة فصلت/54] فينبغي أيضًا أنْ نأخُذَ بظاهِرِ هذهِ الآياتِ حتى يكونَ على العرشِ وعندنا ومَعنا ومُحيطًا بالعالَمِ مُحْدقًا بهِ بالذاتِ في حالةٍ واحدةٍ.
والواحِدُ يستحيلُ أنْ يكونَ بذاتِهِ في حالةٍ واحدةٍ بكُلّ مكانٍ.
وقال رحمهُ الله: قالُوا: قولُه: ﴿وَهُوَ مَعُكُمْ﴾ يعني بالعِلْمِ، و: ﴿بِكُلِّ شَئٍ مُحِيطٌ﴾ إحاطةَ العلمِ، قُلنا: وقوله: ﴿عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى﴾ قهَرَ وحفِظَ وأبقى"، انتهى.
يعني أنهم قد أوَّلُوا هذهِ الآياتِ ولم يحمِلوها على ظواهِرها فكيفَ يعِيْبونَ على غيرهم تأويلَ ءايةِ الاستواءِ بالقهرِ، فما هذا التحكم؟!
[121]- س: كيفَ ترُدّ على من يمنعُ التأويلَ مُطلقًا؟
ج: إنَّ قولَ مَنْ يقولُ: "إنَّ التأويلَ غيرُ جائزٍ" خَبْطٌ وجَهلٌ وهُوَ مَحْجُوجٌ بقولهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لابنِ عبَّاِس: "اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الحِكْمَةَ وَتَأْوِيلَ الكِتَابِ" رواهُ البخاري وابنُ ماجه وغيرهما بألفاظٍ مُتعددةٍ.
قالَ الحافظُ ابنُ الجوزيّ في كتابهِ "المجالسُ": "ولا شَكَّ أنَّ اللهَ اسْتَجَابَ دُعاءَ الرَّسُولِ هذا"اهـ، وشدَّدَ النكيرَ والتشنيعَ على مَنْ يمنعُ التأويلَ ووَسَّعَ القولَ في ذلكَ، فليُطالعهُ مَنْ أرادَ زيادةَ التأكُّدِ.
[122]- س: ما معنى الآية ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِن فَوْقِهِمْ﴾؟
ج: معنى قوله تعالى: ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِن فَوْقِهِم﴾ [سورة النحل/50] فوقيةُ القهرِ دونَ المكانِ والجهةِ أي ليسَ فوقيةَ المكانِ والجهةِ.
[123]- س: ما معنى الآية: ﴿وَجَآءَ رَبُّكَ وَالمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾؟
ج: قوله تعالى: ﴿وَجَآءَ رَبُّكَ وَالمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ [سورة الفجر/22] ليسَ مَجِيءَ الحركةِ والانتِقالِ والزوالِ وإفراغِ مكانٍ ومَلْءِ ءاخَرَ بالنسبةِ إلى الله ومَن اعتقدَ ذلكَ يكفُرُ.
فالله تعالى خلقَ الحركةَ والسكونَ وكُلّ ما كانَ مِن صفاتِ الحوادِثِ فلا يُوصَفُ الله تعالى بالحركةِ ولا يالسكونِ، والمعنيُّ بقوله: ﴿وَجآءَ رَبُّكَ﴾ جاءَ أمرُ ربِكَ أيْ أثرٌ مِن ءاثارِ قُدرتِه، وقد ثبتَ عن الإمامِ أحمدَ أنهُ قالَ في قولهِ تعالى: ﴿وَجَآءَ رَبُّكَ﴾ إنما جاءت قُدرتهُ، رواهُ البيهقيُّ في مناقبِ أحمدَ وقدْ مرَّ ذكرهُ.
[124]- س: ما معنى قوله تعالى: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَينَ مَا كُنتُمْ﴾؟
ج: معنى قولهِ تعالى: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَينَ مَا كُنتُمْ﴾ [سورة الحديد/4] الإحاطةُ بالعلمِ، وتأتي المعيَّةُ أيضًا بمعنى النُّصرةِ والكِلاءةِ كقولهِ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ﴾ [سورة النحل/128].
وليسَ المعنيُّ بِها الحلولَ والاتّصالَ ويكفرُ مَنْ يعتقدُ ذلكَ لأنهُ سبحانهُ وتعالى مُنَزَّهٌ عن الاتصالِ والانفصِالِ بالمسافةِ.
فلا يُقالُ إنهُ مُتصلٌ بالعالمِ ولا مُنفَصِلٌ عنهُ بالمسافةِ لأنَّ هذهِ الأمور من صفاتِ الحجمِ والحجمُ هو الذي يقبلُ الأمرَينِ والله جلَّ وعلَا ليسَ بحادِثٍ، نفى ذلكَ عن نفسهِ بقولهِ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَئٌ﴾.
[125]- س: ما معنى الله أكبر؟
ج: لا يُوصَفُ الله تعالى بالكِبَرِ حجمًا ولا بالصغرِ ولا بالطُّولِ ولا بالقِصَرِ لأنهُ مُخالفٌ للحوادثِ، ويجبُ طردُ كلّ فكرةٍ عن الأذهانِ تُفضي إلى تقديرِ الله تعالى وتحديدِهِ. فقولنا: "الله أكبر" معناهُ أكبرُ من كلّ كبيرٍ قدرًا ودرجةً وقُوَّةً وعِلمًا لا امتِدادًا، وهذا مرادُ السلفِ بقولهم في الآياتِ المتشابهةِ: "أمِرُّوها كما جاءَت بلا كيفيةٍ" ليسَ معناهُ أن لهُ كيفية ليستْ معلومةً لنا. وليسَ موافقًا للسلفِ مَنْ يقولُ بناءً على ذلكَ استواء الله تعالى على العرشِ جلوسٌ ولكنْ لا نعلمُ كيفيةَ ذلكَ الجلوسِ.
[126]- س: مَن مِنَ الكُفارِ نسبَ إلى الله التعبَ؟
ج: اليهودُ نسبوا إلى الله تعالى التعبَ، فقالوا إنهُ بعدَ خلقِ السمواتِ والأرض استراحَ فاستَلْقى على قفاهُ، وقولهم هذا كفرٌ.
والله تعالى مُنَزَّهٌ عن ذلكَ، وعنِ الانفِعالِ كالإحساسِ بالتعبِ والآلامِ واللذاتِ، فالذي تلحقُهُ هذهِ الأحوالُ يجبُ أن يكونَ حادثًا مخلوقًا يلحقه التغيُّرُ، وهذا يستحيلُ على الله تعالى.
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَواتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ﴾ [سورة ق/38].
إنما يلغَبُ مَنْ بالجوارحِ والله سُبحانه وتعالى مُنَزَّهٌ عن الجارحةِ.
[127]- س: اذكر حكمَ مَن قالَ لله أذن.
ج: مَنْ قالَ لله أذنٌ فقدْ كفرَ، ولو قالَ لهُ أذنٌ ليست كآذاننا، بخلافِ مَن قالَ لهُ عينٌ ليست كعُيوننا ويدٌ ليست كأيدينا بمعنى الصفةِ فإنهُ جائزٌ لورودِ إطلاقِ العينِ واليدِ في القرءانِ ولم يردْ إطلاقُ الأذنِ عليهِ.
[128]- س: ما معنى قوله تعالى: ﴿فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ﴾؟
ج: قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ المَشْرِقُ وَالمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ﴾ [سورة البقرة/115].
المعنى: فأينما تُوَجّهُوا وُجوهَكُم في صلاةِ النَّفلِ في السفرِ فثمَّ قبلةُ الله أيْ: فتلكَ الوِجْهَةُ التي تَوجَّهْتُم إليها هيَ قبلةٌ لكم، ولا يُرادُ بالوجهِ الجارحةُ.
[129]- س: ما حكمُ من يعتقدُ الجارحة لله تعالى؟
ج: حكمُ مَن يعتقدُ الجارحةَ لله التكفيرُ لأنهُ لو كانت لهُ جارحةٌ لكانَ مِثلاً لنا يجوزُ عليهِ ما يجوزُ علينا منَ الفناءِ.
وقدْ يُرادُ بالوجهِ الجِهةُ التي يُرادُ بها التقربُ إلى الله تعالى، كأنْ يقولَ أحدهم: "فعلتُ كذا وكذا لوجهِ الله"، ومعنى ذلكَ "فعلتُ كذا وكذا امْتِثالًا لأمرِ الله تعالى".
ويَحرُمُ أنْ يُقالَ كما شاعَ بينَ الجُهَّالِ: "افتَح النافذةَ لنرى وجهَ الله"، لأنّ الله تعالى قال لموسى: ﴿لن تراني﴾ [سورة الأعراف/143] ولوْ لم يَكُنْ قَصْدُ الناطِقينَ بهِ رؤيةَ الله فهُوَ حرامٌ.
[130]- س: ما معنى قوله تعالى: ﴿اللهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾؟
ج: قولهُ تعالى: ﴿اللهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [سورة النور/35] معناهُ أنَّ الله تعالى هادي أهلِ السَّمواتِ والأرضِ لنُورِ الإيمانِ، رواهُ البيهقيُّ عن عبدِ الله بنِ عباس رضي الله عنهما، فالله تعالى ليسَ نورًا بمعنى الضوءِ بلْ هوَ الذي خلقَ النورَ، قال تعالى: ﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾ [سورة الأنعام/1]، أي خلقَ الظلماتِ والنورَ، فكيفَ يُمكِنُ أن يكونَ نورًا كخلقِهِ، تعالى الله عن ذلكَ عُلُوًّا كبيرًا.
وحُكمُ من يعتقدُ أنَّ الله تعالى نورٌ أي ضوءٌ التكفيرُ قطعًا وهُناكَ العديدُ منَ العقائدِ الكُفريةِ كاعتقادِ أنَّ الله تعالى ذو لونٍ أو ذو شكلٍ فليَحذرِ الإنسانُ من ذلكَ جهدهُ على أيّ حالٍ.
[131]- س: ما أصرحُ دليلٍ في القرءانِ على أنَّ الله ليسَ حجمًا كثيفًا ولا لطيفًا؟
ج: هذه الآيةُ ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾ [سورة الأنعام/1] أصرحُ دليلٍ على أنّ الله ليسَ حجمًا كثيفًا كالسَّمواتِ والأرض وليس حجمًا لطيفًا كالظُّلمات والنور، فمن اعتقدَ أن الله حجمٌ كثيفٌ أو لطيفٌ فقد شبَّه الله بخلقهِ والآيةُ شاهدةٌ على ذلكَ. أكثرُ المشبهةِ يعتقدونَ أن الله حجمٌ كثيفٌ وبعضُهم يعتقدُ أنه حجمٌ لطيفٌ حيث قالوا إنه نورٌ يتلألأ، فهذه الآيةُ وحدَها تكفي للردّ على الفريقين.