[51]- س: ما الدليلُ على تنزيهِ الله عن المكان؟
[52]- س: لماذا لا يجوزُ على الله التحيز؟
[53]- س: ما هو أوضح دليل من القرءان في تنزيه الله عن المكان والحيز والجهة؟
[54]- س: ما الدليلُ من الحديثِ على تنزيهِ الله عن المكان؟
[55]- س: ما هو محور الاعتقاد الصحيح؟
[56]- س: ما الدليلُ العقليُّ على تنزيهِ الله عن المكان؟
[57]- س: ما حكمُ من يقولُ "الله تعالى في كلّ مكان"؟
[58]- س: ما تعريف المكان؟
[59]- س: لماذا نرفعُ أيدينا إلى السماءِ في الدعاء؟
[60]- س: ما المقصودُ من معراجِ الرسول صلى الله عليه وسلم؟
[61]- س: ما معنى قوله تعالى: ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى* فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾؟
[62]- س: بَيِنْ علةَ عدم صحة حديث الجارية.
[63]- س: ما الجوابُ على مَنْ يعترضُ على تضعيفِ حديثِ الجاريةِ لكونِهِ في صحيحِ مسلم؟
[64]- س: ماذا قالَ المشبهةُ في لفظة "في السَّماء" التي في حديث الجارية؟
[65]- س: ما الردُّ على المشبهةِ في قولهم الله قاعدٌ على العرش؟
[66]- س: اذكر كيفَ يَكْسِرُ عابدُ الشمسِ المُشبهَ الذي يجعلهُ لله مكانًا.
[67]- س: اذكر الدليلَ على وجودِ كتابٍ فوقَ العرشِ.
[68]- س: ما الدليلُ على أن الكتابَ الذي فوقَ العرشِ فوقيتُهُ حقيقية؟
[69]- س: ما معنى كلمةِ "عند" الواردةِ في لفظِ مسلمٍ للحديثِ السابقِ ذكره؟
[70]- س: اذكر حديثَينِ ينقضانِ على المشبهةِ حَمْلهم حديث الجاريةِ على ظاهره.
[71]- س: ما معنى حديث: "الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُم الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا مَن فِي الأَرْضِ يَرْحَمُكُمْ مَن فِي السَّماءِ"؟
[72]- س: اذكر حديثينِ يهدِمانِ على المشبهةِ قولهم الله يسكنُ السَّماء.
[73]- س: ما معنى قولِ زينبَ بنت جحشٍ زوّجَكُنَّ أهاليكنَّ وزوجَني الله من فوقِ سبعِ سموات؟
[74]- س: ما معنى قوله عليه السَّلام في الحديث "إلّا كانَ الَّذِي في السَّماءِ ساخِطًا عَلَيْهَا"؟
[75]- س: ماذا يقالُ في حديثِ "ربنا الذي في السماء تقدس اسمك"؟
[76]- س: ماذا يقالُ في حديثِ "إن الله على عرشه"؟
[51]- س: ما الدليلُ على تنزيهِ الله عن المكان؟
ج: الله تعالى غنيٌّ عن العالَمين أي مُستغنٍ عن كل ما سواهُ أزلًا وأبدًا فلا يحتاجُ إلى مكانٍ يتحيَّزُ فيه أو شءٍ يَحُلُّ به أو إلى جهةٍ لأنه ليسَ كمثلهِ شىء من الأشياءِ ليس حجمًا كثيفًا ولا حجمًا لطيفًا.
[52]- س: لماذا لا يجوزُ على الله التحيز؟
ج: التحيزُ من صفاتِ الجسمِ الكثيفِ واللطيفِ فالجسمُ الكثيفُ والجسمُ اللطيفُ متحيزٌ في جهةٍ ومكانٍ قال الله تعالى: ﴿وهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [سورة الأنبياء/33] فأثبتَ الله تعالى لكلّ منَ الأربعةِ التحيزَ في فلكِهِ وهوَ المدار، والله لا تجوزُ عليهِ صفاتُ الخلقِ.
[53]- س: ما هو أوضح دليل من القرءان في تنزيه الله عن المكان والحيز والجهة؟
ج: يكفي في تنزيه الله عن المكانِ والحَيّز والجهةِ قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَئٌ﴾ [سورة الشورى/11] لأنه لو كانَ له مكانٌ لكانَ لهُ أمثالٌ وأبعادٌ
طُولٌ وعرضٌ وعُمقٌ، ومَن كانَ كذلكَ كانَ مُحْدَثًا مُحتاجًا لِمَنْ حَدَّهُ بهذا الطولِ وبهذا العرضِ وبهذا العمق، هذا الدليلُ من القرءان.
[54]- س: ما الدليلُ من الحديثِ على تنزيهِ الله عن المكان؟
ج: أما مِنَ الحديثِ فما رواهُ البخاريُّ وابنُ الجارودِ والبيهقيُّ بالإسنادِ الصحيحِ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "كانَ الله ولم يكُنْ شئٌ غيرُهُ" ومعناهُ أنّ الله لم يزلْ موجودًا في الأزلِ ليسَ معهُ غيرُهُ لا ماءٌ ولا هواءٌ ولا أرضٌ ولا سماءٌ ولا كرسيٌّ ولا عرشٌ ولا إنسٌ ولا جِنٌّ ولا ملائكةٌ ولا زَمانٌ ولا مكانٌ ولا جهاتٌ، فهوَ تعالى موجودٌ قبلَ المكانِ بلا مكان، وهو الذي خلقَ المكانَ فليسَ بحاجةٍ إليهِ، وهذا ما يُستفادُ منَ الحديثِ المذكورِ.
وقال البيهقيُّ في كتابهِ "الأسماءُ والصفاتُ": "استدلَّ بعضُ أصحابِنا في نفيِ المكانِ عنهُ بقولِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "أنتَ الَّظاهِرُ فليسَ فوقكَ شئٌ وأنتَ الباطِنُ فليسَ دونكَ شئٌ"، وإذا لم يكُن فوقهُ شئٌ ولا دونَه شئٌ لم يكن في مكانٍ" اهـ.
وهذا الحديثُ فيهِ الردُّ أيضًا على القائلينَ بالجِهةِ في حقه تعالى، وقد قالَ الإمامُ عليّ رضِيَ اللهُ عنه: "كانَ الله ولا مكانَ وهوَ الآن على ما عليهِ كان" رواهُ أبو منصور البغدادي.
[55]- س: ما هو محور الاعتقاد الصحيح؟
ج: ليسَ مِحْوَرُ الاعتقادِ على الوهمِ بل على ما يَقتَضيهِ العقلُ الصحيحُ السليمُ الذي هُوَ شاهدٌ للشرعِ، وذلكَ أن المحدودَ محتاجٌ إلى من حدَّه بذلكَ الحد فلا يكونُ إلهًا.
[56]- س: ما الدليلُ العقليُّ على تنزيهِ الله عن المكان؟
ج: كما صحَّ وجودُ الله تعالى بلا مكانٍ وجهةٍ قبلَ خلقِ الأماكنِ والجهاتِ فكذلكَ يصحُّ وجودهُ بعدَ خلقِ الأماكنِ بلا مكانٍ وجهةٍ، وهذا لا يكونُ نفيًا لوجودهِ تعالى كما زعمت المشبهةُ والوهابيةُ وهم الدُّعاةُ إلى التجسيمِ في هذا العصرِ.
[57]- س: ما حكمُ من يقولُ "الله تعالى في كلّ مكان"؟
ج: حكمُ مَن يقول: "إنَّ الله تعالى في كل مكان أو في جميع الأماكن" التكفيرُ إذا كانَ يفهمُ من هذه العبارةِ أن الله بذاتهِ مُنْبَثٌّ أوْ حالٌّ في الأماكنِ، أما إذا كانَ يفهمُ مِن هذهِ العبارةِ أنه تعالى مُسَيطرٌ على كلّ شئٍ وعالمٌ بكلّ شئٍ فلا يكفر، وهذا قصْدُ كثيرٍ ممن يَلهَجُ بهاتينِ الكلمتينِ، ويجبُ النهيُ عنهما على كل حال، لأنهما ليستا صاردتين عن السلف بل عن المعتزلةِ ثم استعملهما جهلةُ العوامِ.
[58]- س: ما تعريف المكان؟
ج: المكانُ هو الفراغُ الذي يشغلهُ الحجم، والحجمُ مخلوقٌ فإذَنْ مستحيلٌ أن يكونَ الله في مكانٍ أو في جميعٍ الأماكنٍ لأنهُ ليسَ حجمًا.
[59]- س: لماذا نرفعُ أيدينا إلى السماءِ في الدعاء؟
ج: ونرفعُ الأيدي في الدعاءِ للسَّماءِ لأنها مَهْبِطُ الرحماتِ والبركاتِ وليسَ لأن الله موجودٌ بذاتهِ في السماءِ، كما أننا نستقبلُ الكعبةَ الشريفةَ في الصَّلاة
لأن الله تعالى أمرَنا بذلكَ وليسَ لأنَّ لها ميزةً وخُصوصيةً بسُكنى الله فيها.
ويكفرُ مَن يعتقدُ التحيزَ لله تعالى، أو يعتقدُ أنَّ الله شئٌ كالهواءِ أو كالنورِ يملأ مكانًا أو غرفةً أو مسجدًا ونسمّي المساجدَ بُيوتَ الله لا لأنّ الله يَسكُنُها بل لأنها أماكنُ مُعَدَّة لذكلاِ الله وعبادتِهِ، ويقالُ في العرشِ إنهُ جرمٌ أعدَّهُ الله ليطوفَ به الملائكةُ كما يطوفُ المؤمنونَ في الأرضِ بالكعبةِ.
وكذلكَ يكفرُ من يقولُ: [الله يسكنُ قلوبَ أوليائهِ] إنْ كانَ يفهمُ منه الحلولَ.
[60]- س: ما المقصودُ من معراجِ الرسول صلى الله عليه وسلم؟
ج: ليسَ المقصودُ بالمعراجِ وصولَ الرسولِ إلى مكانٍ ينتهي وجودُ الله تعالى إليهِ ويكفرُ من اعتقدَ ذلكَ، إنما القصْدُ منَ المعراجِ هوَ تشريفُ الرسولِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بإطلاعِهِ على عجائبَ في العالمِ العُلويّ، وتعظيمُ مكانتهِ ورؤيَتُهُ للذاتِ المُقدَّسِ بفُؤادِهِ من غيرِ أن يكونَ الذاتُ في مكانٍ وإنما المكانُ للرسولِ.
[61]- س: ما معنى قوله تعالى: ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى* فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾؟
ج: أما قوله تعالى: ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى(8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ [سورة النجم/9] فالمقصودُ بهذهِ الآيةِ جبريلُ عليهِ السَّلامُ حيثُ رءاهُ الرسولُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بمكةَ بمكانٍ يُقالُ لهُ أجيادٌ وله ستمائةِ جناحٍ سادًّا عُظْمُ خَلِقِهِ ما بينَ الأفقِ، كما رءاهُ عندَ سِدرةِ المُنتهى كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِندَ سِدْرَةِ المُنتَهَى﴾ [سورة النجم/14].
[62]- س: بَيِنْ علةَ عدم صحة حديث الجارية.
ج: أمّا ما في مسلم من أن رجلًا جاءَ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فسألهُ عن جاريةٍ لهُ قال: قلتُ: يا رسول الله أفلا أعتِقُها، قال: ائتِني بِها، فأتاهُ بها فقالَ لها: أينَ الله، قالت: في السَّماء، قال: مَن أنَا، قالت: أنتَ رسولُ الله، قال: أعتِقها فإنَّها مؤمنةٌ. فليسَ بصحيحٍ لأمرين: للاضطرابِ لأنهُ رُويَ بهذا اللفظِ وبلفظِ: مَنْ ربُّكِ فقالت: الله، وبلفظ: أينَ الله، فأشارت إلى السماءِ، وبلفظ: أتشهدينَ أن لَا إلهَ إلّا الله، قالت نعم، قال: أتشهدين أنِّي رسولُ الله، قالت: نعم.
والأمرُ الثاني: أن رواية "أين الله" مخالفةٌ للأصول لأنّ من أصول الشريعةِ أن الشخصَ لا يُحكَمُ له بقولِ "الله في السماءِ" بالإسلامِ لأنّ هذا القولَ مشتركٌ بين اليهودِ والنصارى وغيرهم وإنّما الأصلُ المعروفُ في شريعةِ الله ما جاءَ في الحديثِ المتواترِ: "أمرتُ أن أقاتلَ الناسَ حتى يشهدوا أن لا إلهَ إلا الله وأني رسول الله"1.
ولفظُ روايةِ مالك: أتشهدينَ، موافقٌ للأصول.
[63]- س: ما الجوابُ على مَنْ يعترضُ على تضعيفِ حديثِ الجاريةِ لكونِهِ في صحيحِ مسلم؟
ج: إن قيلَ: كيفَ تكونُ روايةُ مسلم: أينَ الله، فقالت: في السماء، إلى ءاخره مردودةً مع إخراجِ مسلم لهُ في كتابهِ وكلُّ ما رواهُ مسلم موسومٌ بالصحةِ، فالجوابُ: أن عددًا من أحاديثِ مسلمٍ ردَّها.
علماءُ الحديثِ وذكرها المحدّثونَ في كتبهم كحديثِ أن الرسولَ قال لرجلٍ: إنَّ أبي وأباكَ في النارِ، وحديث إنه يُعطى كل مسلمٍ يومَ القيامةِ فداءً لهُ منْ اليهودِ والنصارى، وكذلكَ حديث أنسٍ: صَليتُ خلفَ رسولِ الله وأبي بكرٍ وعمرَ فكانوا لا يذكرونَ بِسْمِ اللهِ الرَّحمن الرَّحيم. فأمّا الأولُ ضعَّفهُ الحافظُ السيوطي، والثاني ردَّهُ البخاريُّ، والثالثُ ضعّفهُ الشافعيُّ وعدد من الحفاظِ.
[64]- س: ماذا قالَ المشبهةُ في لفظة "في السَّماء" التي في حديث الجارية؟
ج: حَمَلَ المشبهةُ روايةَ مسلم على ظاهرها فضَلُّوا ولا يُنجيهم من الضلال قولُهم إننا نحملُ كلمةَ في السَّماءِ بمعنى إنهُ فوقَ العرشِ لأنهم يكونونَ بذلكَ أثبتوا لهُ مثلاً وهوَ الكتابُ الذي كتبَ الله فيه إن رحمتي سَبَقت غضبي فوقَ العرشِ فيكونونَ أثبتوا المُماثلةَ بينَ الله وبينَ ذلكَ الكتاب لأنهم جعلوا الله وذلك الكتاب مستقرينِ فوق العرش فيكونون كذَّبوا قولَ الله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَئٌ﴾ ثم على اعتقادهم هذا يلزمُ أن يكونَ الله محاذيًا للعرشِ بقدرِ العرشِ أو أوسَعَ منهُ أو أصغرَ، وكلُّ ما جرى عليهِ التقديرُ حادثٌ محتاجٌ إلى من جعلهُ على ذلك المِقدارِ، والعرشُ لا مناسبةَ بينهُ وبينَ الله كما أنه لا مناسبةَ بينهُ وبينَ شئٍ من خلقه، ولا يتشرَّفُ الله بشئٍ من خلقهِ ولا ينتفعُ بشئٍ من خلقهِ.
[65]- س: ما الردُّ على المشبهةِ في قولهم الله قاعدٌ على العرش؟
ج: قولُ المشبهةِ الله قاعدٌ على العرشِ شَتمٌ لله لأن القعودَ من صفةِ البشرِ والبهائم والجنّ والحشرات وكلُّ وَصْفٍ من صفات المخلوقِ وُصِفَ الله به شتمٌ لهُ، قال الحافظ الفقيهُ اللغويُّ مرتضى الزبيدي: "مَن جعلَ الله تعالى مُقَدَّرًا بمقدارٍ كفرَ" أي لأنه جعلهُ ذا كميةٍ وحجمٍ والحجمُ والكميةُ من موجِباتِ الحدوثِ، وهل عرفنا أن الشمسَ حادثةٌ مخلوقةٌ من جهة العقل إلا لأن لها حجمًا، ولو كانَ لله تعالى حجمٌ لكان مِثلاً للشمسِ في الحجميةِ ولو كانَ كذلكَ ما كانَ يستحقُّ الأولوهيةَ كما أن الشمسَ لا تستحقُّ الألوهية.
[66]- س: اذكر كيفَ يَكْسِرُ عابدُ الشمسِ المُشبهَ الذي يجعلهُ لله مكانًا.
ج: لو طالبَ هؤلاء المشبهةِ عابدُ الشمسِ بدليلٍ عقليّ على استحقاقِ الله الألوهية وعدم استحقاقِ الشمسِ الألوهية لم يكن عندهم دليلٌ، وغايةُ ما يستطيعونَ أن يقولوا قال الله تعالى: ﴿اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَئٍ﴾ [سورة الزمر/62]، فإن قالوا ذلكَ لعابدِ الشمسِ يقولُ لهم عابدُ الشمسِ: أنا لا أؤمنُ بكتابكم أعطوني دليلًا عقليًّا على أن الشمسَ لا تستحقُّ الألوهيةَ فهنا ينقطعونَ.
فلا يوجدُ فوقَ العرشِ شئٌ حيٌّ يسكنه إنما يوجدُ كتابٌ فوقَ العرشِ مكتوبٌ فيه: "إنَّ رحمتي سبقت غضبي" أي أن مظاهر الرَّحمةِ أكثر من مظاهر الغضب، الملائكة من مظاهر الرَّحمة وهم أكثرُ عددًا من قطرات الأمطار وأوراق الأشجار، والجنة من مظاهر الرحمة وهي أكبر من جهنم بآلاف المرات.
[67]- س: اذكر الدليلَ على وجودِ كتابٍ فوقَ العرشِ.
ج: الدليلُ على وجودِ جسمٍ مخلوقٍ فوقَ العرش وجودُ الكتابِ الذي أخرجَ حديثهُ البخاريُّ والنسائي في السنن الكبرى وغيرهما، ولفظ رواية ابن حبان: "لمّا خلق الله الخلقَ كتبَ في كتابٍ يكتبُهُ على نفسِهِ2 وهو مرفوعٌ فوقَ العرشِ إن رحمتي تغلبُ غضبي".
فإن حاولَ محاوِلٌ أن يؤولَ "فوق" بمعنى دون قيلَ له: تأويلُ النصوصِ لا يجوزُ إلا بدليل نقليّ ثابتٍ أو عقليّ قاطعٍ وليسَ عندهم شئٌ من هذَينِ، ولا دليلَ على لزوم التأويل في هذا الحديث، كيفَ وقد قال بعضُ العلماءِ إن اللوحَ المحفوظَ فوقَ العرشِ لأنه لم يرد نصٌّ صريحٌ بأنه فوقَ العرشِ ولا بأنهُ تحتَ العرشِ فبقيَ الأمرُ على الاحتمالِ أي احتمالِ أن اللوحَ المحفوظَ فوقَ العرشِ واحتمال أنه تحت العرش، فعلى قولهِ إنهُ فوق العرش يكون جعلَ اللوح المحفوظ معادلاً لله أي أن يكونَ الله بمحاذاةِ قسم من العرشِ واللوحُ بمحاذاةِ قسم من العرشِ وهذا تشبيهٌ لهُ بخلقهِ لأن محاذاةَ شئٍ لشئٍ من صفاتِ المخلوقِ.
[68]- س: ما الدليلُ على أن الكتابَ الذي فوقَ العرشِ فوقيتُهُ حقيقية؟
ج: مما يدل على أن ذلك الكتاب فوق العرش فوقيةً حقيقيةً لا تحتمل التأويل الحديث الذي رواه النسائيُّ في السنن الكبرى: "إنَّ الله كتب كتابًا قبل أن يخلقَ السمواتِ والأرضَ بألفي سنة فهو عندهُ على العرشِ وإنهُ أنزلَ من ذلكَ الكتابِ ءايَتينِ ختمَ بهما سورة البقرة"، وفي لفظ لمسلم: "فهو موضوعٌ عنده" فهذا صريحٌ في أنّ ذلكَ الكتابَ فوقَ العرشِ فوقيةً حقيقيةً لا تحتملُ التأويلَ.
[69]- س: ما معنى كلمةِ "عند" الواردةِ في لفظِ مسلمٍ للحديثِ السابقِ ذكره؟
ج: كلمةُ "عندَ" للتشريفِ ليسَ لإثباتِ تحيزِ الله فوقَ العرشِ لأنّ "عند" تُستَعمَلُ لغيرِ المكانِ قالَ الله تعالى: ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ(82) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ﴾ [سورة هود/82-83] إنّما تدلُّ "عندَ" هنا أنّ ذلك بعلمِ الله وليسَ المعنى أنَّ تلكَ الحجارة مجاورةٌ لله تعالى في المكانِ. فمَن يحتجُّ بمجردِ كلمةِ عندَ لإثباتِ المكانِ والتقاربِ بينَ الله وبينَ خلقِهِ فهوَ من أجهلِ الجاهلينَ، وهل يقولُ عاقلٌ إنَّ تلكَ الحجارةَ التي أنزلها الله على أولئكَ الكفرةِ نزلت منَ العرشِ إليهم وكانت مُكوّمة بمكان في جنبِ الله فوقَ العرشِ على زعمهم.
[70]- س: اذكر حديثَينِ ينقضانِ على المشبهةِ حَمْلهم حديث الجاريةِ على ظاهره.
ج: روى البخاريُّ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قال: "إذا كانَ أحدُكُم في صلاتِهِ فإنهُ يُناجي ربَّهُ فلا يَبْصُقَنَّ في قِبلتِهِ ولا عنْ يمينِهِ فإنَّ ربهُ بينهُ وبينَ قِبلتِهِ"، وهذا الحديثُ أقوى إسنادًا من حديثِ الجاريةِ.
وأخرجَ البخاريّ أيضًا عن أبي موسى الأشعريّ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قال: "ارْبَعوا على أنفسكم فإنَّكُم لا تدْعُونَ أصَمَّ ولا غائِبًا، إنكم تدعُونَ سميعًا قريبًا، والذي تدعونهُ أقربُ إلى أحدِكُم مِن عُنقِ راحِلةِ أحدكم".
فيقالُ للمُعترضِ: إذا أخذتَ حديثَ الجاريةِ على ظاهرهِ وهذينِ الحديثينِ على ظاهرهما لبَطَلَ زعمكَ أنّ الله في السَّماءِ وإنْ أوّلتَ هذينِ الحديثينِ حديثَ الجاريةِ فهذا تحكُّمٌ -أي قولٌ بلا دليل-، ويَصْدُقُ عليكَ قولُ الله في اليهودِ ﴿أفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾ [سورة البقرة/85]. وكذلكَ ماذا تقولُ في قولهِ تعالى: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ﴾ [سورة البقرة/115] فإنْ أوَّلته فلمَ لا تُؤولُ حديثَ الجاريةِ. وقد جاءَ في تفسيرِ هذهِ الآيةِ عنْ مجاهدٍ تلميذِ ابنِ عبَّاسٍ: "قِبلةُ الله"، ففسَّرَ الوجهَ بالقبلةِ، أي لصلاةِ النفلِ في السفرِ على الراحِلَةِ.
[71]- س: ما معنى حديث: "الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُم الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا مَن فِي الأَرْضِ يَرْحَمُكُمْ مَن فِي السَّماءِ"؟
ج: الحديثُ الذي رواهُ الترمذيُّ وهوَ: "الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُم الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا مَنْ في الأرضِ يَرْحَمُكُم مَنْ في السَّماءِ"، وفي روايةٍ أخرى: "يَرْحَمُكُم أهلُ السَّمَاءِ" فهذهِ الروايةُ تُفسّرُ الروايةَ الأولى لأنَّ خير ما يُفسرُ بهِ الحديثُ الوارِدُ بالواردِ كما قال الحافظُ العِراقيُّ في ألفيَّتِهِ: وخيرُ ما فسّرتَهُ بالواردِ. ثم المرادُ بأهلِ السَّماءِ الملائكةُ، ذكرَ ذلكَ الحافظُ العراقيُّ في أماليهِ عقيبَ هذا الحديث، ونص عبارته: واستدلَّ بقوله: "أهلُ السماءِ" على أنَّ المرادَ بقولهِ تعالى في الآية: ﴿ءَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَآءِ﴾ [سورة الملك/16] الملائكة" اهـ، لأنه لا يقال لله "أهلُ السَّماء"، و"مَنْ" تصلُحُ للمُفردِ واللجمعِ فلا حجةَ لهم في الآية، ويقال مثلُ ذلكَ في الآيةِ التي تليها وهي: ﴿أمْ أمِنْتُم مَّن فِي السَّمَآءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا﴾ [سورة الملك/17] فـ"مَن" في هذه الآيةِ أيضًا أهلُ السَّماءِ، فإن الله يسلطُ على الكفارِ الملائكة إذا أرادَ أن يُحِلّ عليهم عقوبتهُ في الدنيا كما أنهم في الآخرة هم الموكلونَ بتسليطِ العقوبةِ على الكفارِ لأنهم خزَنةُ جهنمَ وهم يَجرُّونَ عنقًا من جهنمَ إلى الموقفِ ليرتاعَ الكفارُ برؤيته. وتلكَ الروايةُ التي أوردها الحافظُ العراقيّ في أماليه هكذا لفظها: "الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُم الرَّحِيم ارْحَمُوا أهل الأرضِ يَرْحَمُكُم أهل السَّمَآء".
[72]- س: اذكر حديثينِ يهدِمانِ على المشبهةِ قولهم الله يسكنُ السَّماء.
ج: لو كانَ الله ساكِنَ السَّماءِ كما يزعمُ البعضُ لكانَ الله يُزاحِمُ الملائكةَ وهذا مُحالٌ، فقد ثبتَ حديثُ أنهُ: "ما في السَّمواتِ موضِعُ أربعِ أصابعَ إلّا وفيهِ مَلكٌ قائمٌ أو راكِعٌ أو ساجدٌ".
وكذلكَ الحديثُ الذي رواهُ البخاريُّ ومسلم عن أبي سعيدٍ الخُدري أنّ الرسولَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قال: "ألا تأمَنُوني وأنا أمينُ مَنْ في السَّماءِ يأتيني خبرُ مَن في السَّماءِ صباحَ مساءَ" فالمقصودُ بهِ الملائكةُ أيضًا، وإنْ أريدَ به الله فمعناهُ الذي هُوَ رفيعُ القدرِ جدًا.
[73]- س: ما معنى قولِ زينبَ بنت جحشٍ زوّجَكُنَّ أهاليكنَّ وزوجَني الله من فوقِ سبعِ سموات؟
ج: حديثُ زينب بنتِ جحش زوجِ النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أنها كانتْ تقولُ لِنِسَاءِ الرسولِ: "زوَّجَكُنَّ أهالِيكُنَّ وَزَوَّجَنِي الله مِن فَوْقِ سَبْعِ سَمَواتٍ" فمعناهُ أنَّ تزوّجَ النَّبِي بِهَا مُسَجَّلٌ في اللَّوحِ المحفُوظِ وهذهِ كتَابَةٌ خاصَّةٌ بِزَينَبَ ليْسَت الكِتَابَة العَامَّة، الكِتَابَةُ العامَّةُ لِكُلِّ شخصٍ فكلُّ زواجٍ يحصُلُ إلى نهايَةِ الدُّنيا مُسَجَّل، واللَّوْحُ فوقَ السَّمَواتِ السَّبْع.
[74]- س: ما معنى قوله عليه السَّلام في الحديث "إلّا كانَ الَّذِي في السَّماءِ ساخِطًا عَلَيْهَا"؟
ج: الحديث الذي فيه: "والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ رجُلٍ يدعو امرأتهُ إلى فراشِهِ فتَأْبَى عليهِ إلّا كانَ الَّذِي في السَّماءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا" الحديث، فيُحمَلُ أيضًا على الملائكةِ بدليلِ الروايةِ الثانيةِ الصحيحيةِ والتي هيَ أشهرُ من هذهِ هيَ: "لعَنَتْهَا الملائِكَةُ حتَّى تُصْبِحَ"، رواها ابن حبان وغيره.
[75]- س: ماذا يقالُ في حديثِ "ربنا الذي في السماء تقدس اسمك"؟
ج: حديثُ أبي الدرداء أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قال: "ربَّنا الذي في السماءِ تقدَّسَ اسمُك" لم يصحّ بلْ هوَ ضعيفٌ كما حكمَ عليهِ الحافظُ ابنُ الجوزي، ولو صحَّ فأمرُهُ كما مرَّ في حديثِ الجاريةِ.
[76]- س: ماذا يقالُ في حديثِ "إن الله على عرشه"؟
ج: حديثُ جُبير بن مُطعم عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "إنَّ الله على عرشِهِ فوقَ سمواتِهِ، وسمواتُهُ فوقَ أراضِيهِ مثلَ القُبّةِ" لم يُدخِلهُ البخاريُّ في الصَّحِيحِ فلَا حُجّةَ فيهِ، وفي إسنادِهِ مَنْ هوَ ضعيفٌ لَا يُحتَجُّ بهِ، ذكر ابنُ الجوزيّ وغيرهُ.