سؤال جواب مقصد الطالبين في أجوبة متن الصراط المستقيم
 مَبْحَثُ الاجتِهادِ

مَبْحَثُ الاجتِهادِ
ويتضمَّن ثمانية أسئلة

مقصد الطالبين


[223]- س: ما هوَ الاجتهادُ؟
[224]- س: ما هيَ شروطُ المجتهد؟
[225]- س: ما الدليلُ على أنّ المسلمينَ ليسوا كُلُّهم مجتهدين؟
[226]- س: ما معنى حديثِ "إذا اجتهدَ الحاكمُ فأصابَ فله أجران..." إلى ءاخره؟
[227]- س: كمْ عددُ المفتينَ في الصحابة؟
[228]- س: ما الدليلُ على أنّ أكثرَ السلفِ مقلّدينَ وليسوا مُجتهدين؟
[229]- س: اذكر دليلًا ءاخرَ في هذا المعنى وأن الاجتهادَ لا يصح من مطلق المسلمين.
[230]- س: مَن الذي لهُ أن يقيسَ في المسائل؟




[223]- س: ما هوَ الاجتهادُ؟
ج: الاجتهادُ هوَ استِخراجُ الأحكامِ التي لم يَرِدْ فيها نصٌّ صريحٌ لا يحتمِلُ إلا معنًى واحدًا.




[224]- س: ما هيَ شروطُ المجتهد؟
ج: يشترطُ في المجتهدِ الذي له أهلية استخراج الأحكام أن يكونَ حافظًا لآياتِ الأحكام وأحاديثِ الأحكامِ ومعرفةِ أسانيدِها ومعرفةِ أحوالِ رجالِ الإسنادِ ومعرفةِ الناسِخِ والمَنسوخِ والعامّ والخاصّ والمُطلقِ والمُقيّد، ومعَ إتقانِ اللغةِ العربيةِ بحيثُ إنَّهُ يَحفَظُ مَدْلولاتِ ألفاظِ النُّصوصِ على حسَبِ اللغةِ التي نزلَ بها القرءانُ، ومعرفةِ ما أجْمَعَ عليهِ المُجتَهِدونَ وما اختَلَفوا فيهِ لأنهُ إذا لم يَعْلَمْ ذلكَ لا يُؤمَنُ عليهِ أن يَخْرِقَ الإجماعَ أي إجماعَ مَن كانَ قبلهُ.
ويُشتَرَطُ فوقَ ذلكَ شرطٌ وهو ركنٌ عظيمٌ في الاجتِهادِ وهو فِقُهُ النفسِ أي قُوَّةُ الفَهْمِ والإدراكِ.
وتشترَط العدالةُ وهي السلامةُ من الكبائرِ ومن المداوَمَةِ على الصغائرِ بحيثُ تَغْلِبُ على حسناتِهِ من حيثُ العَدَدُ.
وأمّا الْمُقَلِّدُ فهو الذي لم يَصِلْ إلى هذهِ المَرتَبةِ.




[225]- س: ما الدليلُ على أنّ المسلمينَ ليسوا كُلُّهم مجتهدين؟
ج: الدَّليلُ على أنّ المُسلمينَ على هاتين المَرتَبَتين قولُه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "نَضَّرَ اللهُ امرأً سَمِعَ مقالَتي فوَعَاهَا فأدَّاها كمَا سَمِعَها، فرُبَّ مُبَلِّغٍ لَا فِقهَ عندهُ". رواهُ الترمذيُّ وابنُ حبانَ.
الشاهِدُ في الحديثِ قوله: "فَرُبَّ مُبَلّغٍ لا فقه عندهُ"، وفي روايةٍ: "ورُبَّ مُبلغٍ أوْعَى من سامِعٍ"، فإنَّهُ يُفهمنا أنَّ ممن يَسمعونَ الحديثَ منَ الرسولِ من حظه أن يرويَ ما سمعَهُ لغيرهِ ويكون هُوَ فَهْمهُ أقل مِنْ فَهْمِ مَنْ يبلغهُ بحيثُ إنَّ مَنْ يبلغه هذا السَّامع يستطيع من قوةِ قريحَتِهِ أن يَستخرِجَ منهُ أحكامًا ومسائِلَ -ويُسمَّى هذا الاستنباط-والذي سمِعَ ليسَ عندَهُ هذهِ القريحةِ القويةِ إنَّما يفهم المعنى الذي هُوَ قريبٌ منَ اللفظِ.
مِنْ هُنا يعلم أن بعضَ الصحابةِ يكون أقل فهمًا ممن يسمع منهم حديث رسول الله. وفي لفظٍ لهذا الحديثِ: "فرُبَّ حاملِ فقهٍ إلى مَنْ هُوَ أفقهُ منهُ"، وهاتانِ الرّوايتانِ في الترمذي وابنِ حبان.




[226]- س: ما معنى حديثِ "إذا اجتهدَ الحاكمُ فأصابَ فله أجران..." إلى ءاخره؟
ج: المجتهدُ هوَ مَوْرِدُ قولهِ صلى الله عليه وسلم: "إذا اجتهدَ الحاكمُ فأصابَ فلهُ أجرانِ وإذا اجتهدَ فأخطأ فلهُ أجرٌ" رواهُ البخاريُّ، وإنما خَصَّ رسول الله في هذا الحديثِ الحاكمَ بالذكرِ لأنهُ أحْوجُ إلى الاجتِهادِ من غيرهِ فقد مضى مُجتهِدونَ في السلفِ مع كونِهم حاكمينَ كالخلفاءِ الستةِ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليّ والحسنِ بنِ عليّ وعمرَ بنِ عبد العزيزِ وشُريح القاضي.




[227]- س: كمْ عددُ المفتينَ في الصحابة؟
ج: عَدَّ عُلماءُ الحديثِ الذينَ ألَّفوا في كتُبِ مُصطَلحِ الحديثِ المُفتينَ في الصحابةِ أقلَّ من عشرةٍ قيلَ: نحو ستةٍ، وقالَ بعضُ العلماءِ: نحو مائتين منهم بلغَ رُتبةَ الاجتِهادِ، وهذا القولُ هو الأصَحُّ. فإذا كانَ الأمرُ في الصحابةِ هكذا فمِن أينَ يصحُّ لكُلّ مسلمٍ يستطيعُ أن يقرأ القرءانَ ويطالعَ في بعضِ الكتبِ أن يقولَ أولئكَ رجالٌ ونحنُ رجالٌ فليسَ علينا أن نُقلّدَهُم.




[228]- س: ما الدليلُ على أنّ أكثرَ السلفِ مقلّدينَ وليسوا مُجتهدين؟
ج: ثبتَ أنَّ أكثرَ السلفِ كانوا غيرَ مجتهدينَ بلْ كانوا مُقلدينَ للمجتهدينَ فيهم، ففي صحيحِ البخاريّ أن رجلًا كانَ أجيرًا لرجُلٍ فزنى بامرأتِهِ فسألَ أبوهُ فقيلَ لهُ: إنَّ على ابنِكَ مائةَ شاةٍ وأمَة، ثمَّ سألَ أهلَ العِلمِ فقالوا له: إنَّ على ابنِكَ جَلْدَ مائةٍ وتغريبَ عامٍ، فجاءَ إلى الرسول صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم معَ زوجِ المرأةِ فقالَ: يا رسولَ الله إنَّ ابني هذا كان عَسيفًا -أي أجيرًا- على هذا وزَنَى بامرأتِهِ فقالَ لي ناسٌ: على ابنكَ الرجمُ ففديتُ ابني منهُ بمائةٍ منَ الغنمِ ووليدةٍ، ثم سألتُ أهلَ العلمِ فقالوا: إنما على ابنِكَ جلدُ مائة وتغريبُ عام، فقالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأقضِيَنَّ بينَكُما بكتابِ الله، أمَّا الوَليدةُ فرَدٌّ عليهِ، وعلى ابنِكَ جلدُ مائةٍ وتَغريبُ عامٍ" 1 .
فهذا الرجلُ معَ كونِهِ منَ الصحابةِ سأل أناسًا مِنَ الصحابةِ فأخطأوا الصوابَ ثم سألَ علماءَ منهم ثمّ أفتاهُ الرسولُ بما يوافِقُ ما قالهُ أولئكَ العلماءُ، فإذا كانَ الرسولُ أفهَمنا أنّ بعضَ مَنْ كانوا يسمعونَ منهُ الحديثَ ليسَ لهم فِقْهٌ أي مَقدرةٌ على استِخراجِ الأحكامِ من حديثِهِ وإنما حَظّهُم أن يَرْوُوا عنهُ ما سَمِعوهُ معَ كونهم يفهمونَ اللغةَ العربيةَ الفُصحى فما بالُ هؤلاءِ الغَوْغاءِ الذينَ يَتجرَّءونَ على قولِ: "أولئكَ رجالٌ ونحن رجالٌ"، أولئكَ رجالٌ يعنونَ المجتهدينَ كالأئمةِ الأربعةِ.




[229]- س: اذكر دليلًا ءاخرَ في هذا المعنى وأن الاجتهادَ لا يصح من مطلق المسلمين.
ج: في هذا المعنى ما أخرجهُ أبو داودَ من قصةِ الرجلِ الذي كانت برأسِهِ شَجَّةٌ فأجْنَبَ في ليلةٍ باردَةٍ فاسْتَفتى من معهُ فقالوا له: اغتَسلْ، فاغتَسَلَ فماتَ فأُخبِرَ رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فقالَ: "قَتَلوهُ قتلَهُمُ الله، ألا سألوا إذْ لم يعلَموا، فإنَّما شِفاءُ العِيّ السُّؤالُ" أي شِفاءُ الجَهلِ السؤالُ أي سؤالُ أهلِ العلم، وقالَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: "إنما كانَ يكفيهِ أن يتيمَّمَ ويعصبَ على جُرحِهِ خرقةً ثم يمسحُ عليها ويغسلُ سائرَ جسدهِ" الحديثُ رواهُ أبو داودَ وغيرُهُ، فإنهُ لو كانَ الاجتِهادُ يصِحُّ مِنْ مُطلقِ المسلمينَ لما ذمَّ رسولُ الله هؤلاء الذينَ أفتوهُ وليسوا من أهلِ الفتوى.




[230]- س: مَن الذي لهُ أن يقيسَ في المسائل؟
ج: وظيفةُ المجتهدِ التي هيَ خاصةٌ لهُ القياسُ، أي أن يعتبرَ ما لمْ يَرِدْ به نصٌّ بما وردَ فيهِ نصٌّ لشَبهٍ بينهما.
فالحذرَ الحذرَ منَ الذينَ يحثُّونَ أتباعَهُم على الاجتِهادِ معَ كونِهِم وكونِ متبوعيهِمْ بعيدينَ عنْ هذهِ الرتبةِ فهؤلاء يُخَرِّبونَ ويَدعونَ أتباعَهُم إلى التخريبِ في أمورِ الدِّينِ. وشبيهٌ بهؤلاءِ أناسٌ تَعَوَّدوا في مجالِسهم أن يُوَزّعوا على الحاضرينَ تفسيرَ ءايةٍ أو حديثٍ معَ أنهُ لم يسبق لهم تلقّ مُعتَبَرٌ من أفواهِ العلماء. فهؤلاء المدعونَ شَذُّوا عنْ علماءِ الأصولِ لأن علماءَ الأصولِ قالوا: "القياسُ وظيفةُ المجتهدِ" وخالفوا علماءَ الحديثِ أيضًا.




(1) أي يُخرج من بلدهِ إلى مسافة القَصر لمدة سنة.