روى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"يأكل أهل الجنّة فيها، ويشربون ولا يتغوطون ولا يمتخطون ولا يبولون، ولكن طعامهم ذاك جُشاء كرشح المسك يُلهمون التسبيحَ والحمدَ كما يُلهمون النَّفس" رواه مسلم.
إن أهل الجنّة في شُغل يتنعمون، يقدّسون الله تعالى ويثنون عليه الثناءَ الحسنَ ويسبحونه ويَحمَدونه، وذِكرُهم لله يومذاك لا يكون على وجه التكليف، لأنّ الجنّة دار جزاء وليست دارَ تكليف، بل يذكرونه للتلذذ، ويكون ذلك بلا تعب فيه كما لا تعب في تنفسهم، وقيل: وجهُ التشبيه هنا أن الإنسان فيها لا يتكلَّف النفسَ إذ لا بد منه، فجعل تنفسهم تسبيحًا وسببه أن قلوبهم تنورت بمعرفة الرب وامتلأ بحبه، ومن أحبّ شيئًا أكثرَ من ذِكره.
وأهل الجنّة عددهم لا يعلمه إلا الله تعالى، ووردت عدةُ أحاديث تبين زيادة أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالعدد في الجنّة على غيرهم من سائر الأمم،
لأن أمته صلى الله عليه وسلم ءاخر الأمم وأكبرها وخيرها، إذ إنها فضلت لفضل نبيّها عليه الصلاة والسلام، فعن عبد الله بن مسعود قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في قبةٍ نحوًا من أربعين، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أترضون أن تكونوا ربعَ أهل الجنة؟ قالوا: نعم، قال: أترضون أن تكونوا ثُلث أهل الجنة؟ قالوا: نعم، قال: أترضون أن تكونوا شطرَ أهل الجنة، إنّ الجنّة لا يدخلها إلاّ نفس مسلمة، ما أنتم في الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمرِ" رواه الترمذي.
فانظروا، وفقنا الله وإياكم للعمل لِما يرضيه عز وجل، إلى فضلِ الإسلامِ وأداءِ ما أُمرنا به واجتناب ما نُهينا عنه؛ إذ في هذا دخول الجنةِ وإلا فأهل الشرك كُثر وسيملأون جهنم وقودًا لها جزاء لهم على شركهم وكفرهم والعياذ بالله.
ويوضح لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الأمر أكثر فيقول:"أهل الجنّة عشرون ومائةُ صفٍّ، ثمانون منها من هذه الأمّة وأربعون من سائر الأمم" رواه الترمذي، أي ثلثا أهل الجنّة هم من أمّة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم يدخلونها تِباعًا وليس دفعة واحدة لكنهم يشتركون في أنّهم كلّهم في نعيم يصلهم كلاً حسب ما عمل في الدنيا.