تفسير قوله عز وجل: واتقوا الله ويعلمكم الله
تفسير قوله عز وجل ﴿واتقوا الله ويعلمكم الله﴾
قال الله تبارك وتعالى ﴿وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾، الله أمر عباده بالتقوى، والتقوى هي أداء ما فرض الله واجتناب ما حرم الله. من جملة ما فرض الله تعلم علم الدين، عقيدة أهل السنة، والأحكام على مذهب إمام من الأئمة، إن كان على مذهب الإمام الشافعي أو على مذهب أبي حنيفة أو على مذهب مالك أو على مذهب الإمام أحمد بن حنبل.
هذا من جملة التقوى، التقوى لا تكون بدون تعلم علم الدين الضروري، ليس الوصول إلى مرتبة العالم، لا! هذا ليس فرضًا على كل إنسان. الذي هو فرض على كل إنسان العلم الذي تعرف به عقيدة أهل السنة الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، أصول الإيمان ستة. معرفة هذه الأصول ثم معرفة الأحكام، أحكام الصلاة والصيام ومعرفة ما يحل وما يحرم من الأكل والشرب واللباس والمال، وما يحرم على القلب وما هو واجب على القلب ونحو ذلك، هذا الذي هو فرض على كل مسلم، فإذا تعلم الإنسان العقيدة، عقيدة أهل السنة والأحكام، ثم عمل كما تعلم عمل، عمل بكل ما فرض الله وتجنب كل ما حرم الله عندئذ الله تعالى يعطيه العلم اللدني لأن قلبه صار منورًا، الله تعالى يعطيه علمًا غير مكتسب، يعطيه علمًا غير مكتسب هذا معنى ﴿وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾ ليس كما يظن بعض الناس، بعض الناس يظنون أنهم إذا صلوا وصاموا وترددوا إلى المساجد وأكثروا من الذكر وأخذوا بعض الطرق كالطريقة القادرية أو الرفاعية أو غيرها يظنون أن هذا يكفيهم، يظنون أنهم إن صلوا وصاموا وترددوا إلى المساجد وعملوا الحسنات ينالون ذلك العلم الذي يعطيه الله لمن يشاء بدون تعلم، بدون تعلم من الخلق، هذا محال، ذلك العلم لا يأتي إلا بعد معرفة العلم الضروري والعمل به، عندئذ يأتي ذلك العلم وإلا فهو طلب المحال ﴿وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾ هذا معناه. ثم الذي تعلم علم الدين الضروري وعمل به لا بد أن يكثر من السنن، فعندئذ يصير وليًا من أولياء الله.
ثم إن الولي قد يكون مشهورًا بين الناس، الله تعالى يجعل له ظهورًا بين الناس وقد لا يكون له ظهور بين الناس، يكون من الأخفياء، كثير من الأولياء هكذا أخفياء، لا يظن بهم أنهم أولياء، لا يظن بهم أنهم أولياء. ليس شرط الولي أن يكون شيخ طريقة أو ءاخذًا الطريقة من شيخ ثم يكون له ظهور بين الناس ليس شرطًا، بل أكثر الأولياء أخفياء، ليسوا ظاهرين بين الناس لا يعرفونهم الناس بل بعضهم كثير من الأولياء الناس لما يرونهم يظنونهم مجانين، لكنهم عند الله لهم درجة عالية، وفي الملائكة معروفون. هو الإنسان لما يصير وليًا الله تعالى يأمر جبريل بأن يُناديَ بين الملائكة إن الله يحب فلانا فأحبِّوه، كل الملائكة يسمعون يعرفون هذا الإنسان في السماء قبل أن يشتهر أمره في الأرض، يعرفونه باسمه، بين البشر. إن عرفه مائة ألف، مائتا ألف، مليون، مليونان، ثلاثة ملايين أو أكثر من ذلك، فهذا قليل بالنسبة لشهرته بين الملائكة، لأن الملائكة أكثر من البشر والجن والوحوش والبهائم والطيور وعدد أوراق الأشجار، أكثر من هذا الخلق الملائكة. فهذا الإنسان الذي صار وليًا يكون معروفًا بين هؤلاء الملائكة الذين لا يعلم عددهم إلا الله فإن عرف في الأرض عند الصالحين فذلك فضل من الله تعالى، وإن لم يعرفه إلا قليل، إلا الصالحون، كذلك فهو على خيرٍ كبير. كثير منهم يأوون إلى الخراب والكهوف، لا يحبون أن يعرفهم الناس. الأولياء كثير منهم لا يحبون أن يعرفهم الناس يأوون إلى الخلوات، بعضهم يسكن الكهوف، لا يستوحشون إن سكنوا الكهوف لأن قلوبهم معمورة بذكر الله، بعضهم الوحوش تأنس إليهم لا تؤذيهم، لأنهم لما أنسوا بالله تعالى الله تعالى كفاهم أمر الخلق، فلذلك مطلوب تحسين الظن بالمسلم إذا رأينا مسلمًا ولم نر منه شيئًا من المعاصي يجوز أن نحسن به الظن، بل مطلوب أن نحسن به الظن ولا نحتقره، ولو كانت ثيابه رثة. كثير منهم من شدة الفقر تكون ثيابهم رثة حتى يظنهم بعض الناس مجانين من شدة رثاثة الهيئة، يظنهم بعض الناس مجانين لكن هم عند الملائكة معروفون، لا يضرهم كونهم عند الناس غير معروفين، لا يضرهم. الملائكة عرفوهم وهم أكثر خلق الله، يكفيهم ذلك.
Tags: مرئيات العلّامة الهرري , من مرئيات الشيخ الهرري رحمه الله