#

تفسير قوله عز وجل: يعذب من يشاء ويرحم من يشاء

تفسير قوله عز وجل ﴿يعذب من يشاء ويرحم من يشاء﴾
أما بعد، فإن أمور الدين ثلاثة أقسام. قسم لا يغفر لتاركه، وقسم من تركه يغفر له على حسب مشيئة الله تعالى، فإن الله يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء. وقسم يغفره الله لمن يشاء مع أخذ المظلمة. القسم الأول هو الإيمان بالله ورسوله، فمن ءامن بالله ورسوله وجب له دخول الجنة إما في الابتداء وإما في الأخير، وأما من تركه فلا يغفر له. قال الله تعالى ﴿وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا﴾. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يدخل الجنَة إلا مؤمن". سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ رضي الله عنه، وبلال وأبو هريرة وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم، هذا الشىء الذي من تركه لا يغفر له ولا يدخل الجنّة. الإيمان بالله ورسوله من تركه فإن الله لا يغفر له، أي من مات من غير أن يكون مؤمنًا بالله ورسوله فإنّه لا يدخل الجنّة أبدًا ولا يغفر الله له لا بشفاعة شافع من نبي أو ملك أو ولي ولا بأي حسنة قدمها. وفي حكم ذلك كل أنواع الكفر فإن الله تعالى لا يغفرها، كمن يستهزئ بدين الله أو يستخف بنبي من أنبياء الله أو ينكر نبوة أحد منهم فإنه كافر لا يغفر له في الآخرة.
والثاني ترك فرض من فرائض الدين كالصلاة أو صيام رمضان مع الإيمان به، أو ارتكاب محرم كشرب الخمر أو قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق مع الإيمان بأنه محرم، وكل واجب لا تعلق له بحقوق بني ءادم، وكل حرام لا تعلق له بحقوق بني ءادم فهذا يغفره الله لمن شاء من المسلمين ويعذب قسمًا منهم.
والقسم الثالث مظالم العباد كمن أكل مال إنسان مسلم ظلمًا أو ضربه ظلمًا أو سبّه ظلمًا أو قذفه ظلمًا، أي رماه بالزنى أو منع زوجته مهرها فأكله عليها أو منعها نفقتها ظلمًا، فهذا القسم يغفره الله لمن يشاء من المسلمين ويعذب من يشاء منهم، لكنه لا بد من أن يوفي الله تعالى المظلوم حقه، وقد يوفيه الله تعالى من خزائنه فضلًا منه وكرمًا. قول بعض الناس إن الله لا يغفر حقوق الناس غير صحيح، وما يجري على ألسنة الناس من قولهم اثنان لا تقربوهما الشرك بالله والإضرار بالناس فليس حديثًا نبويًّا، وهو لا صحيح ولا ضعيف. فيجب إزالة هذا الوهم وهو ما يظن كثير من الناس إن الله تعالى لا يغفر مظالم العباد، فإن ذلك مخالف للقرءان الكريم كقوله تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآء﴾. فإذا علم ذلك اتضح وظهر معنى قول الله تعالى ﴿يُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَيَرْحَمُ مَن يَشَاء﴾، لأن الذي يرحمه الله تعالى في الآخرة هم المسلمون لا غير.

Tags: مرئيات العلّامة الهرري , من مرئيات الشيخ الهرري رحمه الله