#

تفسير قوله عز وجل: وأن إلى ربك المنتهى

تفسير قوله عز وجل ﴿وأن إلى ربك المنتهى﴾
قال الله تعالى ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى﴾ معنى هذه الآية أن الله تبارك وتعالى لا يصل إليه فكر الإنسان أي لا يمكن أن يتصوره فكر الإنسان، أن يتصور الله فكر الإنسان لا يمكن، فكر البشر يصل إلى المخلوقات فقط، لماذا؟ لأن الله ليس له شبيه ولا يشبه شيئًا من العوالم التي يعرفها الإنسان، الإنسان يعرف العالم الكثيف والعالم اللطيف. العالم الكثيف هذه الأشياء التي لها حجم يضبط باليد كالشجر والحجر والشمس والقمر والإنسان والبهائم، والعالم اللطيف هو المخلوق الذي لا يضبط باليد كالنور والظلام. ثم هذان النوعان الكثيف واللطيف كل له صفات، كل من النوعين اللطيف والكثيف له صفات، من جملتها التحيز في جهة ومكان والحركة والسكون والانفعال واللون، هذه صفات العالم. الله تعالى ليس كالعالم اللطيف ولا كالعالم الكثيف، ولا يتصف بصفات العالم اللطيف والعالم الكثيف، ليس جسمًا له حد ومقدار، لا حد صغير ولا حد كبير، الله تعالى ليس كأصغر حجم الذي هو في منتهى القلة، في منتهى الصغر، ولا هو كأكبر حجم وهو العرش، ولا هو حجمًا أوسع من العرش، حتى إنه لا يجوز أن يعتقد أن الله حجم لا نهاية له، كل هذا من صفات الخلق. الخلق إما أن يكون حجمه صغير أو حجمه كبير أو وسط بين الصغير والكبير، وإما أن يكون متحركًا وإما أن يكون ساكنًا، النجوم دائمًا تتحرك كل نجم يتحرك، حتى النجم الذي لا يرى الإنسان حركته له حركة بطيئة. وقسم من العالم ساكن دائمًا، السموات والعرش ساكنون. ثم كل من هذه العوالم له حجم مخصوص وشكل مخصوص، الله ليس كذلك، ليس كشىء من ذلك، لذلك لا يمكن تصور الله تعالى. الإنسان مهما حاول أن يتصور الله فليس هذا الذي يتصوره الله، الله تعالى خلق العرش ليكون كعبة للملائكة، الملائكة الذين حول العرش يطوفون كما نحن نطوف بالكعبة التي في مكة ليس لأن الله يسكن العرش يطوفون حوله أولئك الملائكة، وهذه الكعبة ليس لأن الله يسكنها أو هو قاعد على أعلاها يطوف المؤمنون بها. الله تعالى ليس شيئًا حجمًا صغيرًا ولا كبيرًا ولا حجمًا لطيفًا ولا حجمًا كثيفًا، الحجم هو الذي يأخذ مكانًا وجهة، الشمس لها جهة ومكان في الفضاء، والعرش له جهة ومكان، جهة فوق، والإنسان والجن والبهائم لهم جهة ومكان، وهي هذه الأرض، جهة التحت، بالنسبة للعرش الأرض جهتها تحت. فالله تبارك وتعالى بما أنه لا يشبه شيئًا لذلك لا ينتهي إليه الفكر، لا يصل إليه الفكر، لا يدرك الله تعالى أفكار الخلق لا تدركه، هذا معنى هذه الآية ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى﴾ قال سيدنا أبيُ بن كعب رضي الله عنه الذي هو أحد مشاهير الصحابة في تفسير هذه الآية "إليه انتهى فكر من تفكر"، معناه الفكر لا يُدرك الله إنما الفكر في المخلوقات. المؤمن يكفيه أن يعتقد أن الله موجود من غير أن يتصور أنه في جهة فوق أو جهة تحت أو أنه جسم كبير لطيف كالنور أو الهواء، ومن غير أن يتصور أنه جسم كثيف كالشمس والقمر والإنسان، من غير أن يكون متحيزًا في جهة ومكان، من غير أن يكون متحركًا أو ساكنًا، هو موجود من غير أن يكون كذلك، هذه هي معرفة الله، هذا هو الإيمان بالله. أما الذي يعتقد أن الله جسم قاعد على العرش مالئ للعرش أو على بعض العرش ليس على كله، هؤلاء ما عرفوا الله. هذا التفسير الذي ذكرناه عن سيدنا أبيِّ بن كعب معناه مثل هذه الآية ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾. ويوجد عالم جليل ولي من أولياء الله من التابعين ليس من الصحابة فسر هذه الآية كما فسر أبي بن كعب، يقال له عبد الرحمن بن أبي نُعُم، هذا عبد الرحمن بن أبي نُعُم قال مثل ما قال أُبي بن كعب في تفسير الآية، قال إليه انتهى فكر من تفكر. هذا عبد الرحمن بن أبي نُعُم كان من أعبد الناس، من أعبد الناس أي من أكثر الناس اشتغالًا بالعبادة، حتى قال بعض العلماء الذين كانوا في عصره لو قيل لعبد الرحمن بن أبي نُعُم تقبض روحك غدًا ما بقي لك إلا هذا النهار لا يجد زيادة في الاجتهاد في الطاعة أكثر مما كان عليه.
ثم إنه كان الحجاج أخذ عبد الرحمن بن أبي نعم قال حطوه في السجن احبسوه ولا تفتحوا حتى يموت جوعًا، خمسة عشر يومًا تركوه في الحبس، ثم قال لهم افتحوا ادفنوه ظن أنه مات، لما فتحوا الباب وجدوه قائمًا يصلي ما أثر فيه الجوع، عاش خمسة عشر يومًا لا يأكل ولا يشرب وما فتر عن الصلاة، عن الاجتهاد في العبادة ما فتر، الله تعالى أعطاه قوة بغير أكل بغير شرب.

Tags: مرئيات العلّامة الهرري , من مرئيات الشيخ الهرري رحمه الله