#

تفسير قوله عز وجل: الله خالق كل شىء

تفسير قوله عز وجل ﴿الله خالق كل شىء﴾
الأسباب التي جعلها الله تعالى للمنفعة والراحة لا تخلق هذه المنفعة والراحة، الله تعالى هو الذي يخلق، الأسباب لا تخلق شيئًا، إنـما الله يخلق عند هذه الأسباب الراحة إن كانت من الأسباب التي جعلها الله سببًا للرَّاحة، وكذلك الأسباب التي جعل الله فيها الألم الله تعالى هو الذي يخلق الألم عند مباشرة تلك الأسباب، الأكل والشرب لا يخلقان الصحة، إنـما الله يخلق الصحة عند الأكل والشرب، كذلك النار وسائر المؤذيات السموم ونحوها لا تخلق الضرر، الله تعالى عند مباشرتها يخلق الضرر، كثير من الناس من المؤمنين قطعوا زمانًا بلا أكل ولا شرب وهم بحالة الصحة الجيدة ما تغيّرت أحوالهم، رجل يقال له عبد الرحمن بن أبي نعم في أيام بني أميّة كان، كان من الأتقياء. الحجاج بن يوسف ذلك الظالم الكبير الذي قتل مائة وعشرين ألف نفس في غير الحرب أخذه وضعه في السجن ليموت جوعًا، بعد خمسة عشر يومًا فتحوا السجن فوجدوه قائمًا يصلي فأعفاه. وفي زماننا هذا رجل توفي منذ خمس عشرة سنة يقال له الشيخ محمد طوقان من سوريا، هذا خمس عشرة سنة لا يأكل ولا يشرب وهو نشيط في صحته يتجول في البلاد، دخل مدينة حلب مرة فبلغ مـحافظ المدينة أنَّه دخل رجل يقال له الشيخ فلان لا يأكل ولا يشرب قال هذه خرافة كيف يصح هذا؟ خذوه وحطوه في السجن وأقفلوا عليه ثلاثة أيام، بعد ثلاثة أيام فتحوا فوجدوه نشيطًا كما كان، فصدق هذا المحافظ، في الأول ما كان يعتقد.
هذا دليل على أن الأكل والشرب لا يخلقان الصحة إنما الله يخلق الصحة، ثم تركهما جعله سببًا للهلاك للمرض للموت، ترك الأكل والشرب، كل بـمشيئة الله. الضرر الذي يحصل بتركهما بمشيئة الله، والذي لم يحصل له ضرر، كهذا الشيخ محمد طوقان وغيره بمشيئة الله تعالى لم يحصل لهما ضرر بترك الأكل والشرب، وكذلك النار لا تـحرق بطبعها، الله يخلق الإحراق عند مـماستها وإذا لم يشأ الله أن يحترق هذا الشىء الذي يـماس النار لا يحصل الاحتراق. من الدليل على ذلك أنه يوجد حيوان اسمه السَّمَنْدَل نادر الوجود، في الماضي الملوك كانوا يعملون من جلده منطقة، عندما يتسخ هذا يرمونه في النار فيصير صافيًا، أبيض صافيًا، لا يحترق، وهو أي هذا الحيوان ينام في النار ولا يحترق، وهو كغيره من الحيوانات من ذوي الأرواح، البشر والطيور والبهائم لحم ودم وعظم، لماذا لا يحترق هو؟ وهو كغيره مركب من لحم ودم وعظم، لأن الله ما شاء أن يحترق أي أن النار لا تخلق الاحتراق إنـما الله يخلق الاحتراق بـمشيئته عند مماستها للأشياء، كذلك الملائكة والجن كلاهما من الأجسام اللطيفة الملائكة خلقوا من النور أي من الضوء، والجن خلقوا من نار، كلاهما جسم لطيف بحسب أصل الخلقة، الجن في جهنم يعذبون يوم القيامة مع أن أجسامهم الأصلية لطيفة والملائكة لا تؤذيهم النار هم خزنة جهنم وهم خزنة الجنة لا يتأثرون بالنار، لا تؤذيهم، أما الجن تؤذيهم. الله تعالى هو الذي شاء أن يحترق الجن بالنار مع أن أصله نار وشاء أن لا تحترق الملائكة بالنار لـما يعملون في جهنم، يشتغلون في جهنم، يشعلونـها، يقوّون نارها. هذا دليل على أنَّه لا شىء يخلق شيئًا لا منفعة ولا مضرَّة إلا الله، إنـما الأشياء أسباب، الله تعالى يخلق عند الأسباب إن شاء المنفعة أو المضرة وإن لم يشأ لا يخلق، هذا معنى قول الله تعالى ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَىءٍ﴾ الأجسام الله يخلقها، الهباء الذي هو أصغر جرم تراه العين الله تعالى خلقه وأكبر جرم وهو العرش الله تعالى خلقه، وهكذا كل الأجسام، كذلك الأجسام اللطيفة الضوء والظلام الظل الذي يظهر في مقابلة جسم الإنسان إذا وقف في الشمس، هذا الظل الله يخلقه، كذلك الحركات والسكنات هو يخلقها والنظر إذا إنسان أراد أن ينظر إلى شىء فنظر، الله تعالى هو الذي يخلق هذا النظر، وكذلك إذا أراد أن يغمض عينه هذا الإغماض الله تعالى هو الذي يخلقه والأفكار كذلك، لا خالق إلا الله، هذا من أصول الإيـمان، أن الله هو الذي يخلق كل الأشياء لا خالق لشىء سواه، فمن اعتقد خلاف هذا واعتقد أن الإنسان هو يخلق حركته التي يعملها قصدًا واختيارًا كافر، لأنه كذب القرءان. ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَىءٍ﴾، الشىء ليس الأجسام فقط، الشىء كل ما يحس به أو يرى من المحدثات شىء. الكلام شىء والنظر شىء والتفكير شىء كل هذا معناه أن الله هو الذي يخلق هذا، الخلق لا يخلق شيئًا، أجسامنا لسنا نحن خالقين لأجسامنا فبالأولى أن لا نكون خالقين لـحركاتنا وسكناتنا.

Tags: مرئيات العلّامة الهرري , من مرئيات الشيخ الهرري رحمه الله