من عادة أصحاب رسول الله
من عادة أصحاب رسول الله
كان من عادة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا أن يقرأ بعضهم هذه السورة ﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ ءامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾ وذلك لأنَّ هذه السورة جامعة لما يكون به العبد ناجيًا مفلحًا في الآخرة، أول خصلة ذكرت فيها هي خصلة الإيمان، والإيمان إذا أطلق يكون شاملًا للإيمان بالله ورسوله كما في هذه الآية، أما إذا جمع بين ذكر الله وذكر الرسول فيكون كل من اللفظين لمعنى خاص كقوله تعالى ﴿تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ في سورة الصف، هنا ﴿تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ هنا ذكر الله تعالى وذكر رسوله، فالإيمان بهما مصرح به، أما في سورة العصر فأُجملت العبارة ﴿إِلاَّ الَّذِينَ ءامَنُوا﴾.
ثم ذكر الله تعالى الخصلة الثانية وهي عمل الصالحات، وعمل الصالحات عبارة عن أداء ما افترض الله على عباده من الأعمال، ثم ذكر الخصلة الثالثة بقوله ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ﴾ أي نصح بعضهم بعضًا بالإرشاد إلى عمل الخير والبر، أي لا يداهنون ولا يغش بعضهم بعضًا.
ثم ذكر الخصلة الرابعة وهي ما في قوله تعالى ﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ وذلك بمعنى التناهي عن المنكر أي لا يداهن بعضهم بعضًا، لأن المداهنة خلاف حال الصالحين، الله تبارك وتعالى أخبر في هذه الآية بأن الإنسان كلهم في خسر أي في هلاك إلا من جمع هذه الخصال المذكورة في هذه السورة، والإيمان بالله أي ورسوله، وعمل الصالحات والتواصي بالحق أي يحث بعضهم بعضًا على عمل البر، والتواصي بالانكفاف عما حرم الله تعالى، لأن الصبر إذا أطلق قد يكون شاملًا للصبر على الطاعات وللصبر عن المعاصي وللصبر على البلايا والشدائد والمشقات، وهذا حال من اختارهم الله تعالى من المؤمنين بأن يكونوا من أحبابه وأصفيائه وأوليائه، هذه حالتهم، أما من ليس على هذه الحالة فلا يكون من أولئك.
أقل أحوال المسلم أن يكون مؤمنًا بالله ورسوله مجتنبًا للكفر هذا أقل أحوال المسلم، أما الزيادة على ذلك بالعمل بهذه الخصال المذكورة في هذه السورة فهذا شعار الصالحين المفلحين الناجين يوم القيامة من الخزي والعذاب.
والشرط في أنَّ محبة الله تبارك وتعالى تثبت لمن يتناصحون في الله تعالى وهو هذا، لا يكون الإنسان محبًا لأخيه في الله تعالى إلا إذا عمل بهذه الآية، يدله على الخير الذي يحبه الله من فعل الواجب وينهاه عما يكره الله تعالى من المحرمات. هذه صفة المتحابين في الله والذين ورد في الحديث الصحيح الذي رواه البيهقي والحاكم وابن حبان وغيرهم "حقت محبتي للمتحابين فيّ"، ثم أتبع رسول الله في هذا الحديث القدسي الذي يرويه عن ربه تبارك وتعالى كلمات أخرى منها قوله: "وحقت محبتي للمتناصحين فيَّ"، جعلنا الله من أهل ذلك. اللهم حققنا بذلك، اللهم حققنا بذلك، اللهم حققنا بذلك.
عليكم بالعمل بهذه الآية وهذا الحديث تكونوا من المفلحين الناجين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
Tags: مرئيات العلّامة الهرري , من سير الصحابة