أفضل الأعمال
أفضل الأعمال
يقول الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ﴾ هذه الجملة من القرآن الكريم فيها إشارة إلى علمين، إشارة إلى علم التوحيد بقوله تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ وإشارة إلى علم فروع الأحكام بقوله تعالى: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ والله تبارك وتعالى قدم في هذه الآية الكريمة ما فيه إشارة إلى علم التوحيد على ما فيه إشارة إلى علم فروع الأحكام، وهذا وإن دل على شيء فإنما يدل على أن الأولى بالتحصيل والأفضل هو علم الأصول. علم الأصول معرفة معنى الشهادتين يتضمن معرفة الله ومعرفة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فوالله إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية" فلا بد من أن نغتنم فرصة حياتنا قبل مماتنا وفرصة فراغنا قبل انشغالنا وفرصة صحتنا قبل سقمنا وفرصة شبابنا قبل مرضنا كي نقبل بكليتنا على حضور مجالس علم الدين التي بها يحفظ المرء نفسه من أن يكون ألعوبة بيد الشيطان الرجيم. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي العمل أفضل فقال عليه الصلاة والسلام: "إيمان بالله ورسوله" ففي الآية أشار الله تعالى إلى أفضلية علم الأصول على علم فروع الأحكام حيث قال الله تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ وبعدها قال: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ ففي هذا الحديث الصحيح أجاب النبي صلى الله عليه وسلم السائل عن أفضل الأعمال أجاب بقوله صلى الله عليه وسلم: "إيمان بالله ورسوله" وذلك لأن الأعمال الصالحة لا تقبل بدون إيمان بالله ورسوله، فالذي يعمل من غير إيمان كالذي يبني فوق موج البحر المتلاطم لا يستقر له قرار ولا يقوم له بناء. والله تبارك وتعالى بين في القرآن الكريم أهمية الإيمان الذي به يقبل العمل فخاطب المؤمنين ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ الله تبارك وتعالى جعل الإيمان في المرتبة الأولى على فروع الأحكام، فالصلاة والصيام والحج والزكاة وبر الوالدين وإيواء المهجرين وإغاثة الملهوفين وإطعام الفقراء والمساكين إلى غير ذلك من الأعمال الصالحات لا تقبل عند الله تعالى من غير إيمان بالله ورسوله. روى الإمام مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: "قلت يا رسول الله إن ابن عمي عبد الله بن جدعان كان يقري الضيف" أي يكرم الضيف "ويصل الرحم" ويفعل ويفعل من الأشياء الحسنة "فهل ينفعه ذلك؟ " فأجابها النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا، إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيأتي يوم الدين" أي لم يكن يؤمن باليوم الآخر. فعبد الله هذا كره الحياة ضاقت به الدنيا فذهب إلى جبل فوجد فيه شقا فقال لعل في هذا الشق ثعبانا يقتلني يعني بيخلص وبينتحر، فوجد ثعبانا عيناه تلمعان فظنه ثعبانا حقيقيا فاقترب منه فوجده ثعبانا من ذهب إلا عيناه من لؤلؤ فطمع في الحياة، لما طرده أبوه نفاه أبوه كره الحياة، فلما دخل الشق ليقتل نفسه بثعبان لعله يجده في هذا الشق اضطرب من هذا الثعبان الذي كان من ذهب وعيناه كانتا من لؤلؤ فطمع في الحياة، فعاد، حمل هذا وعاد به إلى أهل بلده وصار يكرم الضيف وصار يضع الجفان الطوال للذين يمرون ويريدون الطعام، كانوا يطعمون وهم يمرون. كان يصل الرحم يصل أهله يكرمهم ولا يقطعهم فقالت عائشة: "هل ينفعه ذلك" فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: لا، إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيأتي يوم الدين" دلت هذه الرواية على أن من عمل من غير إيمان على أن من وصل رحمه على أن من أكرم ضيفه على أن من أطعم جاره على أن من أحسن إلى يتيم على أن من آوى مهجرا مشردا إن لم يكن مؤمنا بالله ورسوله فإن هذا لا يحسب له في الآخرة، إنما يأخذ مقابله في الدنيا صحة ومالا وذرية من نعيم الدنيا فقط، لأن الله تعالى قال في القرآن الكريم: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ﴾ في الدنيا وسعت المؤمن والكافر ﴿فَسَأَكْتُبُهَا﴾ أي في الآخرة ﴿لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ أي يجتنبون الشرك وجميع أنواع الكفر. قول الله تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ﴾ أي في الدنيا، والدليل على ذلك ان الله تعالى أعطى فرعون وهامان وقارون من نعيم الدنيا. فرعون قال: ولي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي، قارون كان عنده الخزائن التي فيها الكنوز والأموال ما يعجز عصبة من الرجال عن أن يحملوا مفاتيحها فقط ومع ذلك خسف الله به وبماله الأرض، كفر بموسى بن عمران فخسف الله به وبماله الأرض. فليس الشأن عند الله تبارك وتعالى أن يكون المرء ذا حظا في الدنيا إن في المال أو الصحة أو الذرية، فإن النعمة في المال والصحة والذرية يشترك بها المؤمنون والكافرون. فما الفرق وأين الفرق بين المؤمن والكافر الفرق بين المؤمن والكافر في القبر وفي الآخرة، أما في الدنيا كلنا نشترك بنعيم الدنيا، ها نحن نتنشق من هوائها ونستظل بفيئها ونتدفأ بشمسها ونأكل من ثمارها ونتغذى من طعامها ونهنأ بمائها، كل هذا نشترك نحن والكافرون به. أما في الآخرة وفي القبر فرق بين من ختم له بالإيمان وبين من ختم له بالشقاوة والكفر والعياذ بالله تعالى والدليل على ذلك، الدليل على أن الشأن عند الله تعالى بحسن الختام أنه كان يوجد غلام يهودي يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي مرض وفاته جاء إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: "قل لا إله إلا الله محمد رسول الله" فنظر الغلام إلى أبيه فقال له أبوه: "أطع أبا القاسم" أي انطق بالشهادتين، فنطق الغلام بالشهادتين ومات، حينئذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحمد لله الذي أنقذه بي من النار" لما نطق بالشهادتين قال: "الحمد لله الذي أنقذه بي من النار" لأن مجرد الخدمة في المسجد ولأن مجرد الخدمة في الكعبة ولأن مجرد خدمة الصالحين ولأن مجرد خدمة النبي صلى الله عليه وسلم من غير إيمان بالله ورسوله لا تنقذ صاحبها من الخلود الأبدي في النار، كما لو أن إنسانا لا يؤمن بالقرآن فكان يطبع المصاحف ويوزعها مجانا، هذا لا ينفعه عند الله تعالى، كما لو أن إنسانا لا يؤمن بالإسلام لا يؤمن بالأنبياء كان يهتم بهندسة المساجد وزينتها مجانا، هذا لا ينفعه عند الله تعالى. إذًا ما الشرط لدخول الجنة ولقبول الأعمال الصالحة عند الله تعالى؟ الإيمان بالله ورسوله. عدد ممن كتبوا الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم والذين كتبوا الوحي ليس معاوية فقط كانوا قريب الثلاثين منهم من ارتد ولحق بالكفار في الأردن وصار يشتم النبي صلى الله عليه وسلم ومات على غير الإسلام، هنا الشأن بحسن الختام.
Tags:
فيديوهات مختلفة ,
مرئيات الشيخ نزار الحلبي