#

الله تبارك وتعالى هو عالم الغيب والشهادة

الله تبارك وتعالى هو عالم الغيب والشهادة
قال الشيخ نزار رحمه الله:
الحمد لله رب العالمين، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن صلوات الله البرّ الرّحيم والملائكة المقرّبين على سيدنا محمّد سيّد الأوّلين والآخرين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدّين.
يقول الإمام الطّحاويُّ رحمه الله تعالى في عقيدته وهو من رؤوس السّلف الصّالح قال: "وقد علم الله تعالى فيما لم يزل عدد من يدخلُ الجنّة وعددَ من يدخلُ النّار جملةً واحدةً فلا يزادُ في ذلك العدد ولا يُنقصُ منه".
الله تعالى قال في القرآن الكريم ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ الله تبارك وتعالى هو عالم الغيبِ والشّهادة، يعلمُ الأمورَ الغائبةَ عنّا ويعلم الشهادة أي الأشياء الحاضرة، لا يغيبُ عن علمه مثقالُ ذرّة لأنّه عزَّ وجلَّ هو الّذي خلق العالم. وخالقُ الشيءِ يكون عالمًا به ويستحيل على الخالق ويستحيلُ على الربّ عزّ وجلّ أن يكون جاهلًا في شيءٍ من مخلوقاته، فهو تبارك وتعالى يعلم تطوّر الجنين في بطن أمّه، ويعلم حالهُ حينما يصير مولودًا، ويعلم حاله حينما يصير صبيًّا، وحينما يصير شابًا، وحينما يصير رجلًا، وحينما يصير كهلًا، وفي أيِّ أرضٍ يموت. كلُّ هذا الله تبارك وتعالى يعلمهُ بعلمٍ أزليٍّ، قبل أن يخلق الله العالم كله، يعلمُ الله ماذا سيكونُ في العالم وما لا يكون في العالم. لا يغيب عن علمه شيء... العباد يفاجئون بالزلازل، العباد يفاجئون بالبراكين، العباد يفاجئون بالفيضانات، العباد يفاجئون بالهزّات، العباد يفاجئون بموت حبيبٍ ومرضِ عزيزٍ وطول غيابِ قريبٍ. أمّا الله تعالى لا يغيب عن علمه شيء، فالله عزّ وجلّ يعلم في الأزل عدد أهل الجنة، لا يُزادُ في ذلك ولا يُنقصُ منه شيء، والله عز وجلّ يعلم عدد أهل النّار، لا يُزادُ في ذلك ولا يُنقصُ شيء. رَبُّنا عزّ وجلّ يعلمُ من سيكونُ مؤمنًا ويعلم من سيُختمُ له بالإيمان، أي من سيموت على الإيمان، ويعلم الله من سيكون بالله كافرًا وبالأنبياء مكذّبًا، ويعلم الله من سيُختم له بالشّقاوة أي بغير الإيمان. فاللذين علم الله حالَهم أنّهم على الإيمان يموتون فهم من أهل الجنّة سُعداءُ فيها، واللذين علم الله حالهم أنّهم على الشّقاوة يموتون فهم في النار يتعاوَوْنَ فيها، فأهل الجنة عددهم يعلمه الله تمامًا بلا زيادةٍ ولا نقصان، وأهل النار الله تعالى يعلم عدَدَهم بلا زيادة ولا نقصان. الذي يغيبُ عن علمه شيء لا يكون إلهًا، لا يكون ربًّا معبودًا، أنت وأنا وَكُلُّنا يغيبُ عن علمنا كثير من أحوالنا الخاصّة، فكيف بنا بأحوال غيرنا عمومًا! لا نعلم، أمّا الله تبارك وتعالى فهو العالمُ بكلّ شيء، لا يغيب عن علمه مثقالُ ذرّة، لا يغيب عن علمه مثقال ذرّة، والله تبارك وتعالى يعلم الغيبَ كُلَّهُ ولا يشارك الله في علم الغيبِ غَيْرُه لا نبيٌّ، ولا ملَكٌ، ولا شهيدٌ، ولا صدِّيقٌ ولا وليٌّ صالح، لا أحدَ يشارك الله في علم الغيب.
الله تعالى قال للنبيّ صلّى اللهُ عليه وسلم ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ﴾ إذا كان النبيّ صلّى اللهُ عليه وسلم لا يعلم جميع أحوال المنافقين، لا يعلمُ حقيقةً كل المنافقين فهل يكونُ يعلم الغيبَ ويعلم الشهادة! أبدًا. إنما يعلم ما أطلعه الله عليه.
قال عليه الصلاة والسلام "لَتُفْتَحَنَّ القسطنطينية" اسطنبول "ولنِعمَ الأمير أميرها ولَنعم الجيشُ ذلك الجيش". هذه بطريق الوحي عرفها رسول الله، هذه معجزةٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم حينما يخبر عن أمور مستقبليّةٍ أنّها تحدثُ. وحدث أنه فُتِحَت القسطنطينية، وأبو أيوبُ الأنصاري خالد بن زيد صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تمنّى أن يكون ممن تُفْتَحُ القسطنطينية على يديه، ولكنه رضي الله عنه مات في استنبول ودفن هناك. أبو أيّوب الأنصاري خالد بن زيد صاحب رسول اللهُ صلى الله عليه وسلم الذي نزل رسول الله صلّى اللهُ عليه وسلم أول ما نزل حينما هاجر من مكة إلى المدينة في بيته، فإذًا أبي أيوب طمع أن تفتح القُسطنطينيّة على يديه ولكنها فتحت على يد السلطان محمد الفاتح. فإذا قال رسول الله "لتفتحنّ القسطنطينية ولنعم الأمير أميرها" هذه بشارةٌ للسلطان محمد الفاتح، "ولنعم الجيشُ ذلك الجيش" الذي كان على التقوى والإيمان. فإذًا الله لا يغيبُ عن علمه شيء، وأنبياء الله لا يشاركون الله في علم الغيب. قال الطّحاويّ رحمه الله "وكذلك أفعالهم فيما علم منهم أَنْ يفعلوه"، من سيكون شقيًّا؟ الله يعلم، من سيكون سعيدًا؟ الله يعلم، ما معنى شقيًا وما معنى سعيدًا؟ من سيكون كافرًا غير مؤمنٍ؟ الله يعلم، من سيكونُ عاصيًا غير طائعٍ؟ الله يعلم، من سيكونُ طائعًا غيرَ فاسقٍ؟ الله يعلم، من سيكون وليًّا صالحًا غير فاسقٍ؟ الله يعلم، كل هذا الله تعالى يعلمه بعلم أزليٍّ ليس متجدّدًا. أمّا أنا لمّا حضرتُ عرفتم أنّني المدرّس، ولمّا حضرتنّ رأيتُ من حضر منكنّ، أمّا قبل حضوري عندك تخمين، وقبل حضورك عندي تخمين، أما الله تعالى لا يُقال يظنُّ الله كذا أو الله خمّن كذا أو ظنّ أنّه اليوم سينزل المطر ولم ينزل. لا ينسبُ الظنُّ إلى الله، بل الله يعلم الأشياء على حقيقتها لا يخفى عليه منها شيء من أحوالها، لا يخفى عليه شيءٌ من أحوالها، فإذًا أفعالُ العباد... الأمُّ والأبُ يجدّان ويجتهدان في تربية أولادهما ويسعيان بجدٍّ على أن يكون مسلكُ الأولاد على مراد الأبوين وغالبًا ما يكونُ بعض الأولاد خلافًا لمسلك الأبوين ولإرادة الأبوين، أن يكون إنتاج الأولاد أضعف أو معاكس لإرادة الأبِ أو لإرادة الأم حينئذٍ يكون الأب متندمًا متحسّرًا "ولادي ما طالعين متل ما بدي" "ولادي ما ماشيين بالمنهج أو بالمسلك يلي أنا عم قلهم عنو ويلي أنا عم وجّههم لإلو" متندمًا متحسرًا يعني ما طالع بإيدو ينفذ يلي بدو إياه. أمّا الله تبارك وتعالى فلا يليق أن يُنسبَ إلى الله عزّ وجلّ قولُ قائلٍ: إنّ العباد الذين يكفرون كفروا رغمًا عن الله، لأن هذا مؤدّاهُ أنّ الله متندّم متحسّر ليس نافذَ الإرادة والمشيئة، فلا يليقُ من ربي عز وجل أن يكون متندمًا متحسرًا، بلِ الله كما قال في القرآن الكريم ﴿فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾، إذاً أفعال العباد ما يصدر منهم كلامهم أحوالهم تفكيرهم، الخواطرُ التي تأتي على بالهم كلّ هذا بخلق الله عز وجل، كل هذا بخلق الله تبارك وتعالى، لا تحدثُ لفتةُ ناظرٍ ولا فلتة خاطرٍ إلّا بمشيئة الله وعلم الله وقدرة الله تبارك وتعالى. ما من حركةٍ ولا سكون إلّا بعلم الله ومشيئته وخلقه تكون، وأفعال العباد بعلم الله ومشيئة الله وخلق الله، فمن كان لأبويه مطيعًا بمشيئة الله، ومن كان لأبويه عاقًّا فبمشيئة الله، الأب يتفاجأ بسوء خلق أولادهِ والأمّ تفاجأ بسوء خلق أولادها، الله أمّا الله لا يقال تفاجأ الله بكفر الكافرين ومعصية العاصيين لأنّه هو خلقهم ويعلمُ جميع أحوالهم، لا يخفى عليه شيءٌ من أحوالهم، هو علم وشاء لفلان وفلان أن يكونوا مؤمنين، هو علم وشاء لفلان وفلان أن يكونوا من الكافرين، لو ذبح الأب أولاده لفقرٍ فعل شيئًا منهيًا عنه، ليس له، لا يجوز لأنه منهيٌّ عن ذلك. إذا هو ظالم، فلا يقال في الله ظالم لأنه لا يقال إنّ الله ما إلو حق يعمل فينا كذا، معليشي الو حق يعمل فينا كذا، نحن العباد لا يحق لنا أن نفتك ببعضنا، لا يحق لنا أن نهتك أعراض بعضنا، لا يحقّ لنا أن نأكل أموالنا بالباطل لأن الله حرّم بيننا ذلك أيّها المؤمنون. أما الله تعالى لا يقال الله حرام عليه يعمل كذا وإلو حق وبجوز يعمل كذا، فإذا الله ليس محكومًا، إذًا ماذا يقالُ في الله عز وجل؟ هو الآمر المطلق، هو الناهي المطلق، إذًا هو الحاكم المطلق، ليس مأمورًا وليس منهيًّا أمّا نحن مأمورون بطاعة الوالدين منهيّون عن معصية الوالدين. فإن خالفتُ الأمر ظلمتُ وإن ارتكبتُ المحذور المحظور ظلَمتُ، لكن لا يقال في الله عز وجل محظور عليه يعمل هيك ومسموح لإلو يعمل هيك. فإذًا هو الفعال لما يريد ولو أن الله تعالى ابتلى الأطفال الرّضّع بأمراضٍ مُعْضِلَةٍ لا يسمى ظالمًا لأنه فعّال لما يريد، أليس الله أباح لنا ذبيحة الأنعام لمصلحتنا أم لمصلحتها تذبح؟ لمصلحتنا، فلا يكون الله ظالمًا، أباح لنا ذبيحة الأنعام، الغنم، البقر، لمصلحتنا، فلا يكون الله تعالى ظالمًا. فإذا الله ليس واجبًا عليه أن يفعلَ مصلحة العباد، لذلك ابتلى كثيرين بالأمراض وابتلى أطفالًا بأمراض، فالبالغون المكلفون إن ابتلاهم الله بالأمراض منهم من يكون تكفير سيئات ومنهم من يكون رفع درجات ومنهم من يكون تعجيلًا لِجُزْءٍ من العقاب الذي يستحق، فأما الكافر فإذا ما ابتلي في الدنيا فهذا جُزْءٌ من العقاب الذي يستحق، وأمّا غيرُ الأتقياء فإذا ما ابتلوا بالبلايا بالأمراض بالنّكبات وكانوا مؤمنين وصبروا، ماذا يستفيدون من هذا؟ تكفيرَ سيئات، نسأل الله تعالى أن يكفر عنا سيّئاتنا ويعفو عن ذلاتنا ويغفرَ لنا ذنوبنا ويسامحنا. وأما الصنف الرّاقي فهم الصّالحون إذا ما ابتلوا فإنّهم صابرون، لِمَ ابتلاهم الله؟ رفعًا لدرجاتهم. نبيّ الله آدم أهبطه الله من الجنّة حيث النعيمُ الذي لا يبلى وحيث الثمارُ التي هي لا مثيلَ لها في كل الدنيا إلى الأرض التي لم يكن فيها ما في الجنة. هذا بلاء ولكنّ آدم لم يتسخّط على الله تعالى. وكذلك ابتليَ إبراهيم عليه السلام، وكذلك ابتليَ أنبياء الله تعالى قال عليه الصلاة والسلام "أشدُّ الناس بلاءً الأنبياءُ ثمّ الأمثلُ فالأمثل"، فالله تبارك وتعالى يعلم أحوال الأنبياء وأعمال الأنبياء، يعلم أحوال الملائكة وأعمالَ الملائكة، يعلم أحوال عصاةِ المسلمين وأعمالهم، ويعلمُ أحوال الكافرين وأعمالهم هو خلق الجميع على هذه الأحوال المتعدّدة فلا يقال "ما إلو حق يخلق كفار ويفوتهم في الآخرة على النار" لأنّ الله تعالى هو مالكنا وهو خالقنا ومن تصرف في ملكه كما شاء ما ظلم.
نحن نملك هذا الثوب شرعًا يجوز لنا بيعهُ وهبته وإعارته ولا يجوز لنا اتلافه حرقًا أو تقطيعا وتمزيقًا، يسمّى إتلافَ مال، هو ثوبي، ولكن الله ملّكني إيّاه أنا وما أملكُ ملكٌ وخلقٌ لله عز وجل، ليس لي أن أحرِّقَ ثوبي ولا أن أتلفه بغير حرق، ولكن سمح الله لي أذن لي ببيعه وهبته وإعارته وتأجيره ومنعني ربنا من إتلافه، لمَ أنا وما أملك ملكٌ وخلق لله؟ الله عز وجلّ لا يقال في الله "في أشياء مسموحة لألله وفي أشياء ما إلو حق يساويها"، لا يقاس الله على العباد، لا يقاسُ الله على العباد، فقد قال الطّحاويّ "وكذلك أفعالهم فيما علم منهم أن يفعلوه"، أي الله تبارك وتعالى يعلم جميع أحوال العباد قبل أن يخلقهم. أمّا أستاذ الصف الذي يمضي مع طلابه أشهرًا عديدة من العام الدراسي يتوقع، توقعات، تخمين، فلان الأول، فلان الثاني، فلان العاشر، فلان الأخير، فلانٌ ينجح، فلانٌ لا ينجح، بعض ما يظنّه ويتوقعه يحصل وبعض ما يظنه ويتوقعه لا يحصل، بل يحصل خلافه. أما الله تعالى لا يقال يظنّ الله كذا فحصل خلافه، بل يقال علم الله أننا سنجتمع بعلمه الأزلي قبل أن يخلقَ العالم كله، يعلم الله من سيجتمع وماذا سيكون حديثنا وماذا سيجول في خاطر كلٍّ منّا من سؤالٍ أو غير ذلك أو استفهام كل هذا بخلق الله، لا يغيب عن علمه شيء، ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾، ثم قال الطّحاويّ رحمه الله في عقيدته "وكلٌّ ميسّرٌ لما خُلِق له"، أي كما قال شيخنا العبدريُّ الهررِيُّ: كلٌّ من العباد مُيَسّرٌ لما خُلِق له أي مهيّئٌ بصدور ذلك منه، فمن خلِق للجنة يسّرَ له عمل الجنّة، يسِّر له عملُ الجنّة.
عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما كان في الجاهلية عُرِض عليه مائةُ ناقةٍ ليقتل رسول الله محمّدٌ صلّى اللهُ عليه وسلم ولكن الله تعالى أراد به خيرًا فهداه للإيمان فيسّر له أسبابَ الإيمان فصدر منه عن طواعيةٍ، عن طواعيةٍ الشّهادتان فدخل في الإسلام، فدخل في الإسلام، بينما أبو لهب، بينما أبو جهلٍ بينما كثيرون ممّن رأوْا رسول الله وسمعوا كلامه عاندوه وعارضوه وكذبوه ومنهم من شتمه، ومنهم من قال فيه ساحر، ومنهم من قال فيه مجنون، ومات على غير الإيمان. منهم من يسر الله له أسباب الإيمان فآمن، ومنهم من لم ييسرِ الله أسباب الإيمان لأن الله تعالى علم في الأزل أنّ أبا جهلٍ وأبا لهبٍ وأنّ فرعونَ وهامان وقارون لن يؤمنوا فلمّا خلقهم الله تعالى والأنبياءُ دعوهم دعوةَ الحق إلى الإيمان صدر من الذين علم الله في الأزل أنهم لن يؤمنوا، صدر منهم العناد، صدر منهم الجحود، صدر منهم التكذيب، كما علم الله تعالى أما أبو بكر وعمر وعثمان وعليٌّ رضي الله عنهم، علم الله في الأزل أنّهم سيكونون مؤمنين فلمّا دعاهم رسول الله آمنوا، فلمّا دعاهم رسول الله آمنوا. هذا معنى وكلٌّ ميسّرٌ لما خُلِقَ له، فمن خلق للجنة يسّر الله له عمل الجنة.
ذاك الغلام اليهوديُّ الذي كان يخدم رسول الله صلّى اللهُ عليه وسلم وهو على اليهودية في مرض وفاته، جاءه رسول اللهُ صلى الله عليه وسلّم وقال له: "قل لا إله إلّا الله محمد رسول الله"، فنظر الغلام إلى أبيه اليهودي فقال له أبوه اليهوديّ: أطع أبا القاسم فنطق الغلام بالشهادتين ومات، فقال رسول اللهُ صلى الله عليه وسلّم "الحمد لله الذي أنقذه بي من النار"، خلقه الله للجنة فيسّر له عمل الجنة، شهد، دخل بالإسلام، آمن.
أمّا كثيرون ممن عرض عليهم الإسلام فأبوْا يعني رفضوا أليس قال الله لموسى وهارون ﴿اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ﴾ موسى وهارون أطاعا الله تعالى، أمراهُ في الإيمان لفرعون ولكنه كان معاندًا مكذبًا، كانَ معاندًا مكذبًا. فلمّا دعواه إلى الإيمان فما صدر منه الطواعيةُ أو الكفر، الكفر العناد الجحود التكذيب بالله وأنبياءه فإذًا خُلِقَ فرعون للنار فصدر منه عمل النار صدر منه عمل النار.
مسيلمة الكذاب إدّعى النبوّة إدّعى أنّه رسولُ الله، من خلق فيه الكلام؟ الله، ومن خلق في هذا الغلام الذي قال أشهد أن لا إله الّا الله وأنّك رسول اللهُ ومات على الإسلام؟ من خلق فيه كلامَ الإيمان؟ الله، فإذا الله هو خالقُ كلامَ الإيمان في المؤمنين وهو خالق كلام الكفر في الكافرين. والدليل على ذلك من القرآن الكريم قول الله تعالى ﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا ۖ قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ من الذي أنطق عيسى صلى اللهُ عليه وسلم وقال إني عبد الله في المهد؟ الله أنطقه، الله أنطقه. من الذي أنطق الغلام الذي اتُّهِمَ به جريج أنّه زنا بامرأة ولدت منه هذا الغلام فلما قال له جريج من أبوك قال الرّاعي، أرادوا أن يقتلوه اتهمته الزانية بأنه هو زنا بها، كان رجلًا عابدًا ناسكًا، الله أنطق الغلام قال له يا غلام من أبوك، انطق الله الغلامَ فقال الراعي.
الحجر في مكة المكرمة كان رسول اللهُ صلى الله عليه وسلّم إذا مرّ به الحجرُ ينطقُ ويقول السلام عليك يا رسول الله، من أنطقه؟ الله أنطق كل شيء. وحينما يتلفظ الكافر بالكفر بسبّ الله أو النبيّ أو الربّ أو القرآن أو الأنبياء أو الكتبِ السماوية، من أنطقه بكلام الكفر؟ الله. الله خلق فيه هذا الكلام يعني الله خالق الإيمان، كلامَ الإيمان على أفواه المؤمنين وخالقِ كلام الكفر على أفواه الكافرين، لم خلق هذا وهذا؟ فعّالٌ لما يريد لا يعترض عليه، لا يعترض عليه، الله علم في الأزل من سيكون عنده طواعيةٌ للإيمان فلما بعث الله الأنبياء الذين علم الله منهم أنه سيكون عندهم طواعية للإيمان ماذا ظهر منهم؟ لما دعاهم الأنبياء للإيمان ماذا ظهر منّهم؟ الإيمان .والذين علم الله أنهم سيكونون بالأنبياء جاحدين وبالله مكذّبين وبالكتب السماوية مكذبين لما دعاهم الأنبياء للإيمان ماذا صدر منهم؟ الكفر.كما علم الله وشاء في الأزل كما علم الله وشاء في الأزل فمن هداه الله، فبفضله فمن وجد خيرًا فليقل الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ولولا رحمةُ ربّنا علينا لَكُنّا من الهالكين.
ورد في الحديث النبوي الشريف حديث طويل "فمن وجد خيرًا فليحمد الله" فمن هو على الإيمان فليقل الحمد لله، ومن وجد غير ذلك إلّي هوّي على الكفر مكذّبًا بالله ورسله فلا يلومنّ إلّا نفسه. ما معنى فلا يلومنَّ إلا نفسه؟ الله علم في الأزل أنّ فرعون لو جاءه موسى وهارون ودعياهُ إلى الإيمان لن يؤمن، معاند مكذّب كافر لن يؤمن. فرعون هامان قارون أبو جهل وأبو لهب وأمثالهم مع أنهم دُعوا إلى الإيمان، ماذا صدر منهم؟ الكفر. هذا الشيء علمه الله منهم قبل أن يخلقهم، علمه بعلمه الأزلي الأبدي فلما خلقهم ودُعوا إلى الإيمان رفضوا أَبَوْا كما علم الله في الأزل أنّ إبليس سيدعى إلى السّجود لآدم سجود تحية واحترام، يأبى ويرفض. الله علم في الأزل قبل أن يخلق آدم وقبل أن يخلق إبليس وقبل أن يخلق الملائكة أنّ الملائكة سيسجدون لآدم سجود تحية واحترام إلّا إبليس أبى لم يكن من السّاجدين اعترض، اعترض على الله قال أأسجد لمن خلقت طينًا، قال أنا خيرٌ منه خلقتني من نارٍ وخلقته من طين. هالشي يلي حصل من إبليس هل نقول الله تفاجأ به؟ لا، بل يعلمه الله بعلمٍ أزليٍّ أنّ الملائكةَ سيطيعون الله بالسجود وأن إبليس يلي منّو طاووس الملائكة هو أبو الجنّ ليس من الملائكة ولا طاووسَ الملائكة لا رئيس الملائكة ولا من الملائكة سيرفض سيأبى سيعترض، ولما اعترض على أمر الله تعالى طرده الله من الجنة لأنّه كفر والعياذ بالله تعالى، كان إبليس مع الملائكة يعبد الله في الجنّة، كان إبليس مع الملائكة يعبد الله في الجنّة، كان مسلمًا لمّا أمره الله بالسجود لآدم سجود تحية واحترام رفض. يعني معنى الكلام يوجد من يكون على الإسلام ثم يكفر ثم يكفر توعّده الله عذابًا أليمًا في نار الثمود قال ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ في من الإنس أتباع للشيطان، هؤلاء شياطين الإنس والمردة الشياطين توعّدهم الله عذابًا أليمًا في نار الثّمود، أعمالهم وحديثنا عن أعمال الناس كلها يعلمها الله تعالى، وحديثنا عن أعمال هؤلاء المخلوقات كلها يعلمها الله تعالى قبل أن يخلقهم، لمَ خلقهم وهو يعلم أنّهم سيكونون كافرين هؤلاء ﴿فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾ هكذا الجواب، أنت لن تُسأل يوم القيامة لماذا خلقت أنثى ولم خلق فلانٌ ذكرًا. أنت ستُسألُ أيّها العبد المكلّف عن الواجبات إذا أهملت شيئًا منها وعن المحرّمات إن تلوّثت بشيءٍ منها، لذلك أنت مكلّف بمعنى مأمورٌ بالواجبات منهيٌّ عن المحرّمات. أمّا أن يقولَ قائل لمَ خلق الله كذا ولم خلق الله كذا أنت اسْألْ واحرصْ على أن تتعلم الواجب الذي ستُسْأل عنه يوم الدّين، ستُسألُ عنه يوم الدّين.
ثمّ قال الطّحاويّ رحمه الله "والأعمال بالخواتيم" من النّاس من يشتغل بالذكر اللسان سنين طويلة بِكتّر، بيحمل مسبحة ألف حبة ألف حبة بكتّر البخّور بكتّر صور المشايخ وصور الكعبة والمدينة المنوّرة وإذا ما شاكته شوكةٌ بسبّ الله أو النبي أو القرآن أو الملائكة أو بسمّي الله ظالمًا أو يقول ما إلو حق عم يطلع بنا بعين واحدة وبغيرنا بيطلع بعينتين، ويموت على ذلك من مرضه فيكون مات على الكفر والعياذ بالله تعالى فالمسبحة أم الألف وإم الألفين ما بتنفعوا والصور كليتها مش هيدي بتفوتو عالجنة لذلك قال الطحاوي "والأعمال بالخواتيم" ما معنى ذلك؟ رجلٌ كان أسلم فترةً آمن بالنبيّ وهاجر مع النبي من مكة إلى أرض الحبشة الهجرة الأولى يسمّى عبيدَ الله بن جحش هناك صار يدمنُ على الخمر صار يدمن على الخمر ويصدر منه الكفر، فصارت تحذره زوجته إلى أن أعلنَ الرِّدّة ومات على الردة والعياذ بالله تعالى. عبيدُ الله بن جحشٍ، هذا رأى النّبيّ، اجتمع بالنبيّ أسلم فترةً، هاجر مع أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمانين وشيء من الصحابة من مكة إلى الحبشة الهجرة الأولى هناك ارتدّ ومات على الردّة، فهل يدخلُ الجنة لمجرد أنه صافح رسول الله وختمَ له بغير الإيمان؟ لا، فهل يدخل الجنة لمجرد أنه صلى فترة وأسلم فترةً ولكن كفر بعد ذلك وختم له بالكفر؟ لا، الشّأن عند الله بالخواتيم، كهذا الغلامِ الذي كان يهوديًّا ختم له بالإيمان فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الحمد لله أنقذه بي من النّار فمجرّد خدمة المساجد والآذان في المساجد وحفظِ القرآن الكريم عن ظهر قلب والانتساب إلى الطرق الصوفية الصحيحة من غير التزامٍ بالإيمان من غير ثباتٍ على الإيمان وقد قال الله تعالى ﴿وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ يعني يأمرنا الله تعالى بالإسلام والثباتِ على الإسلام لذلك قال الأئمّة الأعلام يجب على كافة المكلفين الدخول في دين الإسلام والثبوتُ فيه على الدوام. أمّا إذا إنسان قال أنا بكرة بدي أكفر لألله إذا كان مصيبتي ما انحلّت حصل منه الكفر فورًا من عزم على الكفر في المستقبل حصل منه الكفر فورًا والعياذ بالله تعالى فحسن الختام هو الشأنُ وعليه يعوّل من الذين يدخلون الجنة من خُتم لهم الخاتمةَ الحسنى، الخاتمة الحسنة، هؤلاء هم أهلِ الجنّة الذين ختم الله لهم بالسعادة، الذين ختم الله لهم بالسعادة. فالجزاءُ في الآخرة على حسب ما يختمُ للعبد فلا يدخل الجنة عبد ختم له بغير الإيمان ولا يخلد في النار عبدٌ ختمَ له بالإيمان، فلا يدخل الجنة عبد ختم له بغير الإيمان ما بيدخل الجنة أبدًا، ولا يخلدُ في النار عبد ختم له بالإيمان وإن مات مسلمًا عاصيًا فهو تحت مشيئة الله، إن شاء ربنّا عذبه ثم يدخله الجنة برحمته وفضله، وإن شاء ربّنا عفى عنه ويدخله الجنة بلا عذابٍ بالمرة، وقول الله تعالى في القرآن الكريم ﴿مَّا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ﴾ دليل صريحٌ من القرآن الكريم على أن الذين يؤمنون فبمشيئة الله وأن الذين يكفرون فبمشيئة الله تبارك وتعالى. فلا يجوز لأحدٍ أن يقول إن لله عبادًا إذا أرادوا أراد لا يقال الله يلي بدنا إياه بنفذلنا إياه، بل نحن مشيئتنا إرادتنا أعمالنا حركاتنا سكناتنا تابعةٌ لمشيئة الله تبارك وتعالى، من الناس من يعيش فترةً من حياته على الإيمان ثمّ يُختمُ له بالكفر كعبيد الله بن جحش. ومن الناس من يعيش فترةً على الكفر ثمّ يختم له بالإيمان بحمد الله وفضله، كهذا الغلام الذي خدم رسول الله صلّى اللهُ عليه وسلم، قال الطّحاويّ رحمه الله "والسعيد من سعد بقضاء الله تعالى والشقي من شقي بقضاء الله تعالى" قال شيخنا بارك الله فيه: السعيد من خلق الله تبارك وتعالى فيه الإيمان والطّاعة، شيئان، من كان مؤمنًا طائعًا هو السعيد، من خلق الله فيه الإيمان والطّاعة هو السعيد، من خلق الله تبارك وتعالى فيه الإيمان والطّاعة فجرى ذلك على يده ثبت على ذلك، والشقيّ من خلق الله تبارك وتعالى فيه الشّرّ فأجراه على يده حصل منه هذا الشّرُّ الذي هو الكفر والعياذ بالله تبارك وتعالى فهو الشّقيّ، فالسعيد من سعد بخلق الله فيه السعادة ًوالشّقيّ من شقي بخلق الله فيه الشقاوة، من الناس من خلق الله فيهم السعادة. ومن الناس من خلق الله فيهم الشّقاوة، ثمّ إن العبد لا يعلم الغيب بل العبدُ مأمورٌ بفعل الطاعات منهيٌّ عن فعل المحرمات، مأمورٌ بفعل الطاعات منهيٌّ عن فعل المحرّمات فطوبى لمن آمن وبرّ واتّقى أدّى الواجبات واجتنب المحرّمات وأكثرَ من النوافل والطّاعات استعدادًا لما بعد الموت لأنّ هذه الدّنيا دارُ ممرّ هي كالخيال، هي إلى الزّوال والقبرُ صندوقُ العمل، والذي يُنوّر قبرك ليس مصباحًا يُدَلّى إلى القبر ليس مصباحًا يدلّى إلى القبر، ووجهك فيه يكون منيرًا، ليس بأدوات تجميلٍ عليه بل يكون الوجهُ وضّاءًا منيرًا والقبر روضةً من رياض الجنة بالطّاعة، كما قال عليه الصلاة والسلام "القبر روضة من رياض الجنّة أو حفرةٌ من حفر النار" ولَأن يكون حفرة من حفر النّار بفعل الشّقاوة، فمن كان شقيًّا خُتم له بالشّقاوة فقبره حفرة من حفر النار والعياذ بالله تعالى. وهذا حالُ أهل القبور، لو شققنا القبر عنهم حياة البرزخ ليست كحياة أهل الدنيا قد يكون في القبر اثنان ميتان أحدهما تقيٌّ والآخر شقيٌّ كافر كلٌّ يجد نتيجة ويلقى نتيجةَ، عمله الذي خُتم له به فمن خُتم له بالشقاوة في نفس الحفرة يشعر بالألم والعذاب ومن خُتم له بالسّعادة في نفس الحفرة يشعر بالسعادة والفرح والهناء. والتّقيُّ حينما يفارق أهله بالموت يكون أهله من حوله باكيين محزونين على فراقه وهو يكون ضاحكًا مستبشرًا مسرورًا حينما يكون عند رأسه نحو خمسمائةٍ من ملائكة الرّحمة كأنّ وجوهَم الشمس كأن وجوهم الشمس.
فهنيئًا لمن التزم آياتِ الله البيّنات وكلامَ رسول الله صلّى اللهُ عليه وسلم، واجتنب ما حرّم الله تعالى ونهى، وآخرُ دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على سيدنا محمّد الأمين وعلى آله وصحبه الطّيّبين الطّاهرين. اللهمّ علّمنا ما جهلنا وذكّرنا ما نسينا واجعل القرآن ربيع قلوبنا ونورًا لأبصارنا وجوارحنا وتوفّنا على هديه وأكرمنا بحفظه واحفظنا ببركته يا رب العالمين. اللهمّ يا ربّنا ارزقنا زيارة البيت الحرام وزيارة قبر نبيّك محمد عليه الصلاة والسلام وارزقنا شفاعته يا أرحم الرّاحمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.
اللهمّ تقبّل بسرّ سورة الفاتحة.

Tags: مرئيات العلّامة الهرري , من مرئيات الشيخ نزار الحلبي رحمه الله