#

اللهُ عظَّمَ قدرَ جاهِ محمد ﷺ

اللهُ عظَّمَ قدرَ جاهِ محمد ﷺ
قال الشيخ نزار رحمه الله:
الحمدُ للهِ الواحدِ الأحد الفرد الصَّمد، الذي لَم يَلِدْ ولم يُولدْ ولم يكنْ لهُ كُفُوًا أحد، الحمدُ لَكَ ربَّنا على ما أنعمْتَ علينا، الحمدُ للهِ الذي هدَانا لهذا وما كنَّا لنهتديَ لولا أنْ هدانا الله، والصّلاةُ والسّلامُ على سيِّدِنا وحبيبِنا وعظيمِنا وقائدِنا وقرَّةِ أعينِنا محمَّد، صلى الله عليه وسلّم، أرسلَهُ اللهُ رحمةً للعالمين، هاديًّا ومبشرًا ونذيرا، وداعيًّا إلى اللهِ بإذنِه سراجًا وهّاجًا وقمرًا منيرا، فهدى اللهُ بهِ الأمّة وكشفَ به عنها الغُمّة وبلَّغَ الرسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصحَ الأمّة، فجزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جزى نبيًّا من أنبيائِه، وأشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحدَهُ لا شريكَ له، تنزَّه عن الأينِ والزّمانِ والمكان، تنزَّه عن مشابهةِ المخلوقين ومماثلةِ المصنوعين، حيٌّ قيومٌ لا ينام لا يفنى ولا يبيد ولا يكون إلا ما يريد، فعّالٌ لِما يريد، والصّلاةُ والسّلامُ على سيِّدِنا وحبيبِنا وعظيمِنا وقرّةِ أعينِنا أحمد مَن جعلَهُ ربُّهُ خاتَمًا للأنبياءِ والمرسلين، سبقَتْ ولادتَهُ البشائر، عُرِفَ بالنبوّةِ بين الملأ الأعلى سكّانِ السماءِ الملائكةِ قبلَ أنْ تكتملَ خلقةُ آدمُ عليهِ السّلام، الصّلاة والسّلام عليكَ يا سيدي يا رسول الله، الصّلاةُ والسّلام عليكَ يا خيرَ مَن دُفِنَت في القاعِ أعظُمُه وطابَ من طيبهِنَّ القاعُ والأكَمُ نفسي الفِداءُ لقبرٍ أنتَ ساكنُهُ فيه العفافُ وفيهِ الجودُ والكرمُ أنتَ الشفيعُ الذي تُرجى شفاعتُهُ عند الصّراطِ إذا ما زلَّت القدمُ وصاحباكَ فلا أنساهُما أبدا مني السّلامُ عليكم ما جرى القلمُ. أمّا بعد أيُّها الأحبة المسلمون أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله العظيم.
اللهُ عظَّمَ قدرَ جاهِ محمدٍ وأنالَهُ فضلًا لديهِ عظيما، في محكمِ التّنزيلِ قال لخلقِهِ ﴿صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسلِيما﴾. بعدَ أنْ رُفِعَ عيسى ابنُ مريم عليهِ السّلام إلى السّماءِ إلى محلِّ كرامةِ اللهِ بأقل مِن ستمائة سنة وُلِد محمدُ بنُ عبد الله الهاشميّ القرشيّ في مكةَ المكرمة. وسبقَتْ ولادتَه البشائر في الكتبِ السماويةِ وعلى لسانِ الأنبياءِ كما روى غيرُ واحدٍ من المحدّثِين رواياتٍ تدعمُ ثبوتَ هذه البشائر، ومنها ما رواهُ الحاكمُ النيسابوريُّ في المستدركِ بأنَّهُ لمَّا اقترفَ آدمُ الخطيئة أي أكلَ من الشجرةِ وقد نهاهُ اللهُ عن أنْ يأكلَ منها قال "يا ربّ أسألُكَ بحقِّ محمَّدٍ إلا أنْ تغفرَ لي" وهذا قبلَ أنْ يُولَد محمَّد صلى الله عليه وسلم، قال: "وكيف عرفْتَ محمّدًا ولم أخلقْهُ"، قال: "رفعْتُ رأسي إلى قوائمِ العرشِ فوجدْتُ مكتوبًا لا إلهَ إلا الله محمدٌ رسولُ الله فعرفْتُ أنَّكَ لم تضفْ إلى اسمِكَ إلا أحبَّ الخلقِ إليك".
الصّلاةُ والسّلامُ عليكَ يا سيدي يا رسولَ الله بَشَّرَ بِكَ آدمُ عليهِ السّلام وعرفَتْ الملائكةُ بنبوتِكَ وبعثتِكَ قبل أنْ تكتملَ خلقةُ آدم عليه السّلام، وهذا معنى كلام النّبيِّ صلى الله عليه وسلم "كنتُ نبيًّا وآدمُ بين الروحِ والجسد" أي عُرِفْتُ بوصفِ النبوّة بين الملأ الأعلى سكان السِّماءِ الملائكة ولم تكتملْ خِلقة آدم عليه السلام. وكذلك بشّرَ بهِ نبيُّ الله إبراهيمُ كما أخبرَنا اللهُ تعالى في القرآنِ الكريم عن إبراهيمَ أنَّه قال ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾. وفي هذا روى الإمامُ أحمد عن أبي أُمامةَ قُلتُ: يا رسولَ اللهِ ما كانَ بدءُ أمرِك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "دعوةُ أبي إبراهيم" في الآية التي ذَكَرت، "وبشرى عيسى" أليسَ قالَ اللهُ تعالى إخبارًا عن عيسى ابن مريم عليه السلام ﴿ومُبَشِرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعدِي اسمُهُ أحمد﴾، "وَرَأتْ أمِّي أنَّه يخرجُ منها نورٌ أضاءَتْ لَهُ قصورُ الشام".
هذا النبيُّ العظيمُ الذي سبقَت ولادتَهُ البشائرُ وُلِدَ يتيمًا قدْ كانَ ماتِ أبوهُ قبلَ ذلك، ولمَّا كانَ ابنُ ستِّ سنين ماتَتْ أمُّهُ في الأبواءِ بينَ مكة والمدينة المُنورَّة، ولمَّا صار َعمره ثماني سنين ماتَ جدُّهُ عبدُ المطلِّب، وشبَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ونشأ صلى الله عليه وسلم حتّى بلَغَ أنْ كانَ رجلًا أفضلَ قومِه مروءةً وأحسنَهم خُلُقا وأكرمَهم مخالطةً وأحسنَهُم مجاورةً وأعظمَهم حِلمًا وأمانةً وأبعدَهم عن الفحشاءِ والأذى والرذائل. لم يُعرَف عليهِ قطّ رذيلةٌ واحدةٌ لا قبلَ النبوّةِ ولا بعدَها. تزوَّجَ وكانَ أولَّ ما تزوجَّ وكان ابن خمسٍ وعشرين، تزوَّجَ امرأةً شريفةً في قومِها عفيفةً خديجةَ بنتُ خُوَيلِد كانت تاجرةً. وهنا يُرَدُّ على الذين يكيلونَ التُّهَم إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، من يَتَّهِم رسول الله بأنّه كانَ ولوعَ القلبِ بالنساءِ، أصغرُ نسائِه سِنًّا عائشةُ رضي الله عنها لما كانَ دورُ المبيتِ عندها في بيتِها كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يستأذنُها ويذهب ليلًا إلى البقيع مدفن المسلمين يدعو اللهَ تعالى للمسلمين، ويتركُ أصغرَ زوجاتِه سنًّا. وما عدَّدَ في النساءِ إلا لحِكَم منها أنَّهُ صلى الله عليه وسلم تزوَّج من قبائل متعدّدة وفي هذا تأليفٌ لما بينَ قبائلِ العرب وتعليم أحكامُ الإسلامِ المتعلقةِ بالنساء أسرعُ انتشارًا من النساءِ إلى النساء. ولم يكنْ صلى الله عليه وسلم ولوعَ القلبِ بالنساءِ بل كانَ عليه الصلاةُ والسلام شديدَ الخشيةِ من اللهِ تعالى، يبكي جوفَ الليلِ ويكونُ قائمًا يصلي.
هذا النبيُّ العظيمُ سَبَقَت ولادتَهُ البشائرُ في الكتبِ السماويةِ المنزَّلة قال الله تعالى ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ﴾ عزَّروهُ أي عظَّموهُ، اللهُ عظَّمَ قدرَ جاه محمد صلى الله عليه وسلم ﴿وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ فأيُّ بأسٍ في تعظيمِ النبيّ صلى الله عليهِ وسلَّم بالاحتفالِ بمولدِ النبيِّ عليه الصلاةُ والسلام، وقد كان هذا بين المسلمين قبل ثمانمائة سنة إلى يومنا هذا وافقَ عليهِ المسلمون علماؤُهم وعامَّتهم المحدثون والفقهاءُ والصوفيةُ والمفسرون، وكانَ الملكُ المُظَفَّر ملك إربل أوَّلَ مَن أحدثَ عمَلَ المولِد، وكان تقيًّا صالحًا وكان يُطعِم الطعامَ على حبِّ النّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأقرَّه على ذلك الحفاظُ والمحدِّثون، فلماذا ينكر نفاتُ التوسُّلِ الاحتفالَ بمولدِ خير الأنبياء أفضل الخلقِ عند اللهِ سبحانَهُ وتعالى؟! حسبيَ الله ونعمَ الوكيل. يحتفلون بيومِ الشجرة ويُكَفِّرون عامَّة المسلمين الذين يصلُّون على النَّبيِّ جهرةً بعد الأذان ويُكفِّرون المسلمين ويُحَرِّمون عليهم عَمَل المولدِ ويقولون هذهِ بدعةٌ محرَّمة، هؤلاءِ يُبغِضون رسول الله صلى الله عليه وسلَم، يحتفلونَ بيومِ الخشب ولا يحتفلونَ بمولدِ النبيِّ عليه الصلاة والسلام. الله تعالى أخذَ العهدَ والميثاقَ على جميعِ النبيين أنْ يؤمنوا بنبيِّ آخرِ الزمانِ محمَّد صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ ۚ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي ۖ قَالُوا أَقْرَرْنَا ۚ قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ﴾ ما من نبيٍّ إلا وأخذَ الله عليهِ العهدَ والميثاق أنْ يؤمنَ بنبيِّ آخرِ الزمانِ محمَّد صلى الله عليه وسلم، وما من نبيٍّ إلا وبلَّغَ قومَه، مَن أدركَ منكم محمد صلى الله عليه وسلم أنْ يؤمنَ به ويناصرَهُ ويؤازرَه.
في اليمنِ كانَ حكامُها يسمَون التَبابِعَة وتُبَّع الأوسَط، أسعدُ الحِميَريّ كانَ أحدُ حكَّامِ اليمن، قبل ستمائة عام وشيء من بعثةِ ومولِد النبيِّ عليه الصلاة والسلام ما بين موسى وعيسى، صُفَّت لهُ الجيادُ من بلادِ اليمنِ إلى بلادِ الشامِ، توجَّه إليها ليكسرَها وليجعلَها تحتَ سلطانِه فمَرَّ وهو بطريقه من اليمن إلى بلادِ الشام مرَّ بالمدينةِ المنورة يثرِب فلقيَ حَبرين من أحبارِ اليهودِ المسلمين الذينَ كانُوا على دين موسى عليه السلام واللذين قرآ في التوراةِ البشرى ببعثةِ نبيِّ آخرِ الزمانِ محمَّدٍ عليه الصّلاة والسّلام، فقالا لأسعد الحِميَريّ تِبَّعِ الأوسَط الذي ذَكَرَهُ اللهُ تعالى في القرآنِ الكريمِ في سورة الدخان بقوله ﴿أهُم خَيْرٌ أمْ قَوْمُ تُبَّع﴾ أسعدُ الحِميَريّ هذا قالا لهُ هذه المدينةُ أي يثرب أي التي صارَتْ فيما بعد المدينةَ المنورة مُهاجَر نبيِّ آخر الزمانِ أحمد أي سيهاجر إليها نبي آخر الزمانِ أحمد صلى الله عليه وسلم كما قرأوا في التوراةِ فأنشدَ يقول:
شَهِدتُ على أحمدٍ أنهُ ***** رسولٌ من اللهِ بارئ النَسَم1

ولَوْ مُدَّ عمري إلى عمرهِ ***** لكنتُ وزيرًا لهُ وابن عمّ

وجاهدْتُ بالسيفِ أعداءهُ ***** وفَرَّجْتُ عن صدرِهِ كلّ غمّ
فصار أهلُ المدينةِ المنوّرةِ منذ ذلك الحين يحفظون هذهِ الأبياتُ التي قالها أسعد الحِميَريّ تُبَّع الأوسَط حتى صاروا يحفظونَها خَلَفًا عن سَلَف، وكان مِمَّن حفظَها أبو أيوب الأنصاريُّ الذي نزلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أوّلَ ما نزلَ يومَ وصلَ المدينة مهاجرًا نزلَ في بيت أبي أيوب الأنصاريُّ وكانَ يسمى خالد بن زيد. هكذا البشائرُ على لسانِ الأنبياءِ وفي الكتبِ السماويّةِ المطهَّرة ببعثةِ خير الأنبياء وأفضل العالمين محمَّد وأحمد والماحي والعاقب والحاشر. له صلى الله عليه وسلم خمسة أسماء محمَّد وأحمد والماحي أي الذي يمحو الله به الذنوب والخطايا والعاقب أي الذي لا نبيَّ بعدَه الحاشر أي الذي يُحشَرُ النّاس عند قدمِهِ يوم القيامة.
هذه بعضٌ من أخبارِ البشائرِ ببعثةِ ومولدِ خير الأنبياء محمَّدٍ عليه الصلاة والسلام. وفي الصَّحيحِ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم مرَّ بمِدراسِ اليهود فقال لهم "يا معشر اليهود أسلِموا فوالذي نفسي بيدِه إنكم لتَجِدون صفتي في كتبِكُم" ولكنَّهم حرَّفوا التوراة، ولكنّهم حرّفوا التوراة. الله تبارك وتعالى عظّمَ قدرَ جاهِ محمَّد وأنالَه فضلًا لديهِ عظيمًا في محكمِ التنزيل قال لخلقِهِ ﴿صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
أقولُ قولي هذا وأستغفر الله العظيمَ لي ولكم.
------------------------------------------

1- - أي خالق الأرواح.

Tags: مرئيات العلّامة الهرري , من مرئيات الشيخ نزار الحلبي رحمه الله