إنّ الحسنات يذهبن السيئات
إنّ الحسنات يذهبن السيئات
قال الشيخ نزار رحمه الله:
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله. الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. أحمده تعالى وأستهديه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره وأعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليّا مرشدا، والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا أحمد، من بعثه الله رحمةً للعالمين، هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه سراجًا وهاجًا وقمرًا منيرًا، فهدى الله به الأمّة، وكشف به عنها الغمّة، وبلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيا من أنبيائه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدين كلّه ولو كره الكافرون. وأشهد أنّ سيدنا محمدًا عبده ورسوله، وصفيُّه وخليله، أرسله الله رحمةً للعالمين، خاتَما للأنبياء والمرسلين، جاء بالحنيفيَّة السمحاء، دعا إلى دين إخوانه النبيين الإسلام، جاهد في الله حق جهاده، صبر وصابر وجاهد في الله حق جهاده، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيا من أنبيائه.
أما بعد أيّها الأحبة المسلمون، أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله العظيم. يقول الله تعالى في القرءان الكريم ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾. من عظيم فضل الله تعالى على عبده المسلم، ومن فضيلة الإسلام التي منَّ الله بها علينا، أن ضاعف الله الأجر والثواب، فَجَعلَ الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعفٍ، إلى ما شاء الله من الزّيادة. قال الله تعالى في القرءان الكريم ﴿مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾. أيها المسلم أنت بنعمة عظيمة منّ الله بها عليك، فلو شاكتك شوكة وأنت مارٌّ بالطريق فصبرتَ فلكَ أجرٌ. فلو ابتُليتَ بألم في سنٍّ أو ضرسٍ فصبرتَ فلك أجرٌ. فمهما حلَّ بك البلاء، ومهما تعاظمت عليك النوازل وتوالت، فإذا ما صبرت فلك أجر عند الله تعالى بصبرك على هذا البلاء. هذا يدلّ على عظيم فضل الإسلام عند الله ربّ العالمين، وعلى عُلُوِّ شأن المسلم عند الله رب العالمين، لإن شاكته شوكة فقال الحمد لله فله أجر، ولإن هُدِمَ بيته فقال الحمد لله فله أجر، ولإن أذهب الله أولاده فقال الحمد لله فله أجر، فلولا نعمة الإسلام لما كان الأجر ولما ثبت. إذا، الشأن عند الله تعالى في الإسلام. مهما كثُرَ العمل، فمن غير إسلام كمثل من يبني فوق موج البحر لا يستقرُّ له قرار.
ومهما تضاءل العمل في سبيل الله، فإن كان مع الإخلاص في النية، فلك أجركَ عند ربّك، وينطبق عليك قول الله ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾. أمّا غيرُ المسلم، فمهما قدّم من مساعدات إنسانيّة، فلا أجر له في الآخرة، ولا يُكتب في صحيفته أيُّ حسنة، بل يجازى عليها في الدنيا فقط، وذلك لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: "الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر". فمقابل ما يقدّمه الكافر من أعمال إنسانيّة يجازى بها في الدنيا فقط من صحة وفيرة ومال كثير وذرية وغير ذلك. أمّا نعيم الجنة نعيم الآخرة، فقد قال الله تعالى ﴿لَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ﴾ فلا يرون الله تعالى في الآخرة أمّا الْمؤمنون يُكرمهم الله تعالى برُؤية الله المقدس الذي ليس كمثله شيء. لأن أعمال هؤلاء ينطبق عليهم قولُ الله فيها ﴿ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ﴾. لأن أعمال هؤلاء ينطبق عليهم قولُ الله فيها ﴿كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا﴾. لأن أعمال هؤلاء ينطبق عليهم قولُ الله ﴿وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا ﴾. الدنيا سجن المؤمن التقي الصالح فيها نكد ونعمة كرب وفرح، تتخلل أفراح المؤمنين أتراح وأحزان وكربات. أمّا النعيم الذي لا يعقبه كرب والصحة التي لا يعقبها مرض والشباب الذي لا يعقبه شيخوخة، في الجنة، حيث ينادي منادٍ: "يا أهل الجنة إنّ لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا وإنّ لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا وإنّ لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا وإنّ لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا". قول الله عز وجل ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ خاصٌّ بعباده المؤمنين. ﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾. وقال الله تعالى أيضا ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ فآيات الثواب آيات الحسنات آيات النعيم آيات الجنة وما فيها من نعيم مقيم هو للأنبياء وأتباع الأنبياء. فأما الذين كذّبوا الله ورسله فهؤلاء هم الأخسرون أعمالا.
فأما الذين كذّبوا الله ورسله وسخروا بأنبيائه وكذّبوا آياته، فهم الأخسرون أعمالًا. الذين لهم في الدنيا أكل وشرب وصحة ومال وذرية وجاه ينتهي بموت فيأكلهم الدود في التراب ولا يشمون رائحة الجنة. بل كما قال الله تعالى في القرءان الكريم ﴿وَنَادَىٰ أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ۚ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ﴾. فالرزق النافع والماء المروِيُ الذي جعله الله من نعيم أهل الجنة حرام على الكافرين في الآخرة. بل شرابهم ماءٌ حميم تتقطع به أمعاؤهم ويُقرب إلى وجوههم المُهل فتسقط فروة وجوههم وكذلك يأكلون من شجر الزّقّوم. أمّا حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "إذا أسلم العبد فحسُن إسلامه فكل حسنة يعملها تُكتب له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف" إذًا لا بدّ من توافر الشرط لقبول الأعمال عند الله تعالى وهو قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: "إذا أسلم العبد وما لم يُسلم لا يكون في الآخرة في عداد الناجين ولا يكون في عداد أهل جنة نعيم". ثمّ هذه الحسنة التي قال الله تعالى فيها ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ كالذّكر والصلاة والصيام والحج والزكاة وبرّ الوالدين وتلاوة القرءان ووعظ الناس وتعليمهم والإحسان إلى الأبوين والإحسان إلى الأهلين والإحسان وتربية الأطفال بشرط أن يوافق كلُّ ذلك شرع الله تعالى، فإنّ في الطريقة التّيجانيَّة ما هو ضلال وكفر وبظنهم أنهم يحسنون صنعًا. إنّ منهم من يقول: "إن صلاة الفاتح تغنينا عن تلاوة القرءان الكريم". هذا كفر والعياذ بالله رب العالمين وهذا منتشر بين كثير من أهل الطريقة التّيجانيَّة. يعتبرون أنّ المصحفَ كالرغيف، حِمله ثقيل ولا يُغني من جوع، أما صيغةُ الفاتح التي ينسبونها إلى الطريقة التّيجانيَّة يعتبرون الالتزام بها وتلاوتها يغنيهم عن تلاوة القرءان الكريم. وكذلك أدعياء التصوف الذين سبق وحذّرنا منهم والذين يحرّفون اسمَ الله في الذكر: "آه أو واه، آهٍ، أللا"، هؤلاء لا ثواب لهم ولا ينطبق عليهم قولَ الله ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾. ولما النبي صلّى الله عليه وسلّم رأى المسيء في صلاته وجاء المسيء في صلاته إلى رسول الله وقال السلام عليك يا رسول الله قال له رسول الله "ارجع فصلّ فإنك لم تصلّ" ثمّ عاد فقال السلام عليك يا رسول الله قال "ارجع فصلّ فإنك لم تصلّ" ثمّ عاد فقال السلام عليك يا رسول الله فقال له "ارجع فصلّ فإنك لم تصلّ" ثمّ علمه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كيفية الصلاة الصحيحة المقبولة. هنا يحضرني ما يقوله بعض الجاهلين المغرورين: "شو بدك بهالحكي، الله رب النيات، كيف ما صلى صلاتو مقبولة، او كيف ما قرأ القرءان المهم عم يقرأ قرءان قراءته مقبولة". ولِمَ قال له الرسول: "ارجع فصلّ فإنك لم تصلّ" ولِمَ قال الرسول للذي كان لا يُحسن تلاوة القرءان: "أرشدوا أخاكم". مجرد أن تكون نيته الصلاة لا يعفيه من أن يتعلم الأركان ليؤديها بتمامها ويعرف المبطلات ليجتنبها بتمامها. لا بدَّ إذا من معرفة معنى قوله تعالى ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾. كم وكم من أناس عند الوضوء يسرفون بالماء فيرتكبون الكراهة. كم وكم من أناس عند الغسل يسرفون في الماء فيرتكبون الكراهة. كم وكم من أناس بزعمهم يحسنون إلى آبائهم فيصرفون عليهم من الحرام أو يظن بعض الآباء أنهم يحسنون إلى الأبناء أو الزوجات فيصرفون عليهم من الحرام أو بعض الأمهات يرتكبن الإساءة في حق الأيتام فيأكلن من مال الأيتام بالحرام أو بعض الأوصياء على أموال الأيتام يتصرفون بمال الأيتام بغير حق ويعتبرون أنفسهن طائعين لله وهم غارقون في أكل مال الأيتام بالحرام. وكم وكم من أناس يأكلون أموال الأوقاف بالحرام وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "إنّ رجالًا يتخوَّضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة". فلهم النار يوم القيامة! إذا كيف يعرف الواحد منّا ما معنى ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم في الحديث الذي رواه البزّار في مسنده: "إنّ الله تعالى يحبّ أحدَكم إذا عمل عملا أن يتقنه". قيل وما إتقانه يا رسول الله. قال "يُخلصه من الرياء والبدعة". إذا ما صلَّيت أو زكيت أو تصدقت أو قرأت القرءان أو أحسنت إلى يتيم أو أمك أو أبيك أو أقربائك أو أقمت الصلاة أو الأذان أو كنت مدرسًا أو واعظًا أو خطيبًا أو كنت تدور على الأيتام والفقراء تحمل لهم المساعدات، تقصد بهذا العمل ابتغاء مرضاة الله تعالى، لا محمدة الناس، لا أن يشكروك، لا أن يقولوا أبو الفقراء أبو الأيتام لولاه لضعنا. إن كان هذا مراده فلا ثواب له. هذا معنى يخلصه من الرياء لأن الرياء طلبُ محمدة الناس، أن يذكروه في مجالسهم، "فلان أبو الفقراء فلان أبو الأيتام، فلان عم بدير بالو على الأرامل، فلان لا مثيل له في القراءة، فلان لا مثيل له في الحفظ، فلان خطيب بارع مفَوَّه". وأمّا يُخلصه من البدعة لا بد أن يتعلم أحكام دين الله تعالى فكم وكم يرتكب الشاذلية الدندراوية وبعض الرفاعية وبعض القادرية وبعض النقشبندية وهؤلاء التيجانية باسم الطرق الصوفية المعاصي بدل الحسنات في حلقاتٍ باسم الذكر تقام، يحرّفون اسم الله تبارك وتعالى. إذا، ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ الأعمال الصالحة الخالية من الرياء الخالية من البدعة هذه التي بها يُكفّر الله بها السيئات.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
Tags: مرئيات العلّامة الهرري , من مرئيات الشيخ نزار الحلبي رحمه الله