أول من عمل المحراب المجوف
أول من عمل المحراب المجوف
إن الله تبارك وتعالى جعل دين الإسلام يسرًا ليس فيه حرج، أي ليس فيه ضيق، وإن كان في بعض الأمور مشقات لكن هذه المشقات ليست إلى درجة الحرج، ولذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لأمته أن يحدثوا ما يوافق شرعه أي ما يوافق الكتاب والسنة، فالعلماء أحدثوا أشياء لم يفعلها الرسول ولا قال "افعلوا كذا وكذا" لأنهم وجدوها موافقة للكتاب والسنة غير مخالفة. وهذه تسمى سنة حسنة، وتسمى بدعة حسنة، وتسمى بدعة مستحبة، وتسمى سنة خير، وهذا المعنى مأخوذ من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلم والبيهقي وغيرهما. قال عليه الصلاة والسلام "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده لا ينقص من أجورهم شىء". هذه الجملة من حديثه عليه الصلاة والسلام تفهمنا أن ما أحدثه أهل العلم والثقة والتقوى مما لم يفعله الرسول فهو سنة خير، قربة إلى الله تبارك وتعالى، وليس داخلًا في محدثات الأمور التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم "وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة". هذه الأمور التي أحدثها العلماء الأتقياء الثقات لا تدخل تحت هذا الحديث، وهذا الحديث صحيح الإسناد، كما أن الحديث الأول صحيح الإسناد، فيجب العمل بهما ولا يجوز إلغاء واحد منهما لأن الحديثين ثابتين لا يلغى أحدهما، لا يلغى واحد منهما بل يوفق بينهما إن كان في ظاهر هذا الحديث وظاهر هذا الحديث اختلاف ومعارضة، لكن يجب التوفيق بين الحديثين هذا مذهب المحدثين، ومذهب الأصوليين علماء أصول الفقه من المذاهب الأربعة، هذا مذهبهم أنه يجب الجمع بين حديثين ظاهرهما التعارض، ولا يجوز إلغاء واحد منهما.
فمما أحدثه العلماء في أمور الدين مما لم يفعله الرسول ولم يقل افعلوا كذا نقط المصاحف. القرءان أملاه رسول الله على الذين كانوا يكتبون من لفظه، فكتبوه من لفظه من دون نقط ولا شكل، ثم استمر الأمر على ذلك إلى أيام عثمان بن عفان، فكتب عثمان رضي الله عنه مصاحف خمسة أو ستة مضبوطة من غير نقط ولا شكل، ثم استمر الأمر على ذلك إلى ما بعد عثمان بزمان، ثم ألهم رجل من التابعين ليس من الصحابة أن ينقط المصحف، فنقط المصحف، جزاه الله تعالى خيرا! فهذا الأمر نقط المصحف وشكله لا يقال عنه هذا لا يجوز، هذا الأمر باطل لأن الرسول لم يفعله ولا الصحابة هذا باطل. لا يقال، لماذا؟ لأن هذا سنة خير التي رخص فيها رسول الله في هذا الحديث "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده". كذلك في حياته عليه الصلاة والسلام فعل بعض الصحابة شيئًا لم يفعله رسول الله، لم يأمر رسول الله بأن يفعل، لم يقل افعلوا كذا، وهو خبيب بن عدي الأنصاري رضي الله عنه. أخذه الكفار من أجل ثأر لهم عليه فحبسوه مدة ثم أخرجوه ليقتلوه ليصلبوه ويقتلوه، فقال لهؤلاء الكفار الذين أخذوه للقتل والصلب "أمهلوني حتى أصلي ركعتين" فقالوا له صل فصلى ركعتين، ثم قدم للقتل، فقتل رضي الله عنه، هذا الحديث في صحيح البخاري. أبو هريرة رضي الله عنه يقول مستحسنًا لفعل خبيب هذا "وكان خبيب أول من سن الصلاة عند القتل" معناه هو أول من فعل الصلاة عند القتل، عند تقديمه للقتل، أعجب هذا الفعل الذي لم يذكره الرسول في حديثه، أعجب أبا هريرة وغيره من الصحابة ولا بد أن يكون بلغ رسول الله فلم ينكره لأنه قتل في حياة رسول الله خبيب، قبل فتح مكة، قبل فتح مكة قتلوه، بعد أن حبسوه في مكة ساقوه للقتل فقتل. فهذا من جملة السنة الحسنة التي حصلت في زمن الرسول ثم بعد ذلك حصل في أيام عمر بن عبد العزيز سنة تسعة وتسعين عمل في مسجد الرسول محرابًا مجوفًا، ما كان في مسجد الرسول محراب مجوف، فهو أي عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أول من عمل المحراب المجوف. فالمسلمون الذين كانوا في ذلك العصر مما فيهم من العلماء والحكام ما أنكروا عليه، ما قالوا له كيف تفعل ما لم يفعله رسول الله، الرسول ما عمل لمسجده محرابًا. لماذا لم ينكروا؟ لأنهم وجدوا هذا الفعل موافقًا لكتاب الله وسنة رسول الله، وجدوه غير مخالف للقرءان والحديث فأقروا على ذلك وأعجبهم.
Tags: مرئيات العلّامة الهرري , أعلامنا