#

إن لله عبادًا يغبطهم الأنبياء والشهداء

إن لله عبادًا يغبطهم الأنبياء والشهداء
أما بعد، فإن الله تبارك وتعالى أمر المؤمنين بالتناصح فيما بينهم، روينا بالإسناد المتصل الصحيح في مستدرك الحاكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "قال الله تعالى: حقت محبتي للمتحابين بيّ وحقت محبتي للمتواصلين بيّ وحقت محبتي للمتزاورين بيّ وحقت محبتي للمتباذلين بيّ" وورد هذا الـحديث بلفظ ءاخر رواه الإمام مالك في الموطّأ وهو مما يرويه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه تبارك وتعالى ويسمى الحديث القدسيّ، والحديث القدسيّ هو ما يصدّر بــــــــ"قال الله تعالى" أو "يقول الله تعالى" أو نحو ذلك من الألفاظ وهذا اللفظ هو "المتحابون بجلالي أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظله" هذا الحديث فيه بشارة عظيمة للمسلمين المتحابين في الله، معنى المتحابين في الله لا يغشّ بعضهم بعضًا يعينه على الخير وينهاه عن الشر ويحذره مما يضره في دينه أو دنياه ويحب له الخير ويحب لأخيه الخير كما يحب لنفسه، ويكره الشر لأخيه المسلم كما يكره لنفسه، هذا معنى التحاب في الله. وفي لفظ ءاخر لهذا الحديث في صحيح ابن حبان في وصف المتحابين في الله "إنّ لله عبادًا يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة ويجلسون على كراسيّ من نور"، وفيه أن علامتهم أنهم يتصافَّون بنور الله، يتصافَّون بنور الله ، معنى الحديث أن هؤلاء الذين يجلسون يوم القيامة على منابر من نور يغبطهم النبيّون والشهداء صفتهم أنهم يتصافَّون بنور الله أي لا يغشّ بعضهم بعضًا، يتناصحون ويجتنبون الغشّ. وقد ذكر الله تبارك وتعالى في هذا الحديث القدسيّ أن هؤلاء الذين يتحابون بجلاله أي من أجله، أن الله تبارك وتعالى يظلهم في ظله أي ظلّ العرش يوم لا ظل إلا ظله وذلك لأن الأرض يوم القيامة تنسف نسفًا فلا يبقى هناك شجر يستظل تحته ولا صخرة يستظل في ظلها، والشمس تكون قريبة من رؤوس الناس بقدر ميل، الميل نحو مسيرة نصف ساعة. ذلك اليوم الأرض تكون مستوية ليس فيها جبال كاليوم ولا وهاد، لا يكون عليها أشجار ولا بناء يستظل الناس من حرّ الشمس تحته. هؤلاء الذين يتحابون بجلال الله هؤلاء المسلمون الذين كانوا يتحابون في الدنيا بجلال الله تعالى، الله تعالى يكفيهم حرّ الشمس، شمس ذلك اليوم، وهذا فضل عظيم. وهذه المحبة ليست محبة لأجل القرابة بين المسلم وأخيه ولا لأجل المال ولا لأجل المنفعة الدنيويّة إنما هي محبة خالصة لوجه الله تعالى، وهذا الحديث فيه بشارة لمن كان يحب أخاه المسلم محبة خالصة ليست لدنيا، ليست لمال ولا لقرابة بل للتعاون على طاعة الله تبارك وتعالى. هذا يساعده على ما يحب الله وهذا يساعده على ما يحب الله وهذا ينهاه ويحذره عما يكره الله ما يبغض الله وهذا كذلك، هذه هي المحبة التي جزاؤها ذلك اليوم هذا الفضل العظيم. الذي لا يصيبه ذلك اليوم أذى حرِّ الشمس بل يكون تحت ظلّ العرش فهو ناج من كل أهوال القيامة ليس عليه عذاب.
فمن اغتنم هذه المحبة التي هي محبة التناصح التي هي بعيدة عن محبة الغش فله فوز كبير وذخر كبير في الآخرة فليبشر بذلك، وأما من كان على خلاف ذلك فله الويل. الذي لا يحذر إخوانه مما يضرهم في دينهم أو دنياهم فهو يستحق العذاب الأليم في الآخرة. روينا في مستدرك الحاكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إذا رأيت أمّتي تهاب الظالم أن تقول له يا ظالم فقد توُدِّع منهم" هذا الحديث دليل على أنه يجب التحذير من الإنسان الذي هو يغشّ الناس في دينهم أو دنياهم، الذي يغشّ الناس في دنياهم أمره ظاهر، وهو كالتاجر الذي يبيع البضائع التي فيها عيب ويخفي عيبها، من غير أن يبيّن عيبها يبيعها، هذا غش للناس في دنياهم كذلك الإنسان الذي يعلم أن هذا الإنسان خائن ثم لا يحذر منه من يعامله أو يصاحبه يسكت ولا يحذر منه لا يقول فلان لا يصلح أن تصادقه أو لأن تعامله في أمور معيشتك بل يسكت من غير خوف ضرر يلحقه إن بيّن هذا الإنسان للتحذير منه. وأما الغش في الدين فهو الإنسان الذي يحلّل الحرام أو يحرم الحلال الذي اتفق عليه أئمة الهدى لأن الذي يجب إنكاره هو المنكر الذي اتفق عليه الأئمة أنه منكر أما المنكر الذي اختلفوا فيه فلا يجب التحذير منه، لكن من رأى إنسانًا يحرّم ما هو حلال في شرع الله اتفق علماء الإسلام المجتهدون أئمة الهدى على أنه حرام ثم يحلّله هذا يجب الإنكار عليه والتحذير منه وكذلك عكسه. الأمور التي اتفق عليها فقهاء الإسلام على أنها حق فمن انحرف عنها يجب التحذير منه سواء كان في العقيدة أو في الأعمال.

Tags: مرئيات العلّامة الهرري , من مرئيات الشيخ الهرري رحمه الله