الكتاب الثاني
صحيح الإمام مسلم
أرويه عن العارف بالله العلامة المقرىء الأصولي كبير أحمد بن عبد الرحمن الحسني الحبشي، وهو يرويه عاليًا عن الشيخ المسند المعمر عبد الله بن عودة القَدُّومي النابلسي ثم المدني، عن الشيخ حسن بن عمر الشطي، عن الوجيه عبد الرحمن بن محمد الكزبري مسند الديار الشامية، عن والده المسند الشيخ محمد الكزبري الدمشقي الأوسط، عن والده المسند الفقيه أبي زيد عبد الرحمن الشهير بالكزبري الكبير، عن الشيخ عبد الغني النابلسي، عن النجم محمد الغزي الدمشقي، عن والده البدر محمد الغزي الدمشقي، عن الشيخ زكريا الأنصاري، عن خاتمة الحفاظ الحافظ شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني، عن شيخيه أبي إسحق إبراهيم التنوخي والحافظ الزين عبد الرحيم بن الحسين العراقي، كلاهما عن أبي الحسن علاء الدين علي بن إبراهيم العطار، عن شارحه الشيخ محيي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف النووي، عن أبي إسحق إبراهيم بن أبي حفص عمر بن مضر الواسطي، عن منصور بن عبد المنعم الفَراوي، عن فقيه الحرمين أبي عبد الله محمد بن الفضل الفراوي (1)، عن أبي الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي سماعًا، عن أبي أحمد محمد بن عيسى بن عمرويه الجُلودي النيسابوري سماعًا، عن أبي إسحق إبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه الزاهد سماعًا، عن الإمام الحجة أبي الحسين مسلم بن الحجاج ابن مسلم القشيري النَّيسَابوري رحمه الله تعالى قال رحمه الله في أول صحيحه بعد خُطبته الطويلة المشتملةِ على أحاديث جليلة: كتابُ الإيمان، وبالسند إليه قال: حدثنا أبو خيثمة زُهيرُ ابنُ حرب قال: حدثنا وكيع، عن كَهْمَس، عن عبد الله بن بُريدةَ، عن يحيى بن يَعْمَرَ، (ح) وحدثنا عُبيدُ الله بن مُعاذٍ العَنْبريُّ وهذا حديثه قال: حدثنا أبي قال: حدثنا كَهْمَس، عن ابن بُرَيْدة، عن يحيى ابن يَعْمَر قال: كان أوَّل مَن قال في القَدَر بالبصرة مَعْبَدٌ الجُهَنيُّ، فانطلقتُ أنا وحُميدُ بنُ عبد الرحمن الحِميري حاجَّين أو مُعتمِرَيْن فقلْنا: لو لَقينا أَحدًا مِنْ أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عمَّا يقول هؤلاء في القَدَر، فَوُفّقَ لنا عبدُ الله بنُ عُمَرَ بنِ الخطاب رضي الله عنهما داخلًا المسجدَ، فاكتنفتُه أنا وصاحبي أحدُنا عن يمينه والآخرُ عن شِمالِه، فظننتُ أنَّ صاحبي سيكِلُ الكلامَ إليَّ، فقلتُ: أبا عبد الرحمن إنَّه قد ظَهرَ قِبَلَنا ناسٌ يقرءون القرءان ويَتَقفَّرون(2) العلم، وذكَرَ مِنْ شأنهم، وأنهم يزعمُون أنْ لا قَدَرَ، وأنَّ الأمرَ أُنُفٌ (3)، فقال: إذا لقيتَ أولئك فأخبرْهُم أَنّي بَريءٌ مِنْهم وأنَّهم برءَاءُ مني، والذي يحلِفُ به عبدُ الله بن عُمر لو أنَّ لأحدهم مثلَ أُحُدٍ ذهبًا فأنفقه ما قَبِل الله منه حتى يُؤمنَ بالقَدَر، ثم قال: حدَّثني أبي عُمرُ بن الخطاب رضي الله عنه قال: بينما نحنُ عندَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ يومٍ إذْ طَلَعَ علينا رجلٌ شديدُ بياضِ الثياب شديدُ سوادِ الشَّعرِ لا يُرى عليه أثرُ السَّفَر ولا يعرفُهُ مِنَّا أحدٌ، حتى جلس إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فأَسندَ رُكْبتيه إلى رُكْبتيه ووضعَ كَفَّيْه على فَخِذَيه وقال: يا محمدُ، أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الإسلامُ أن تشهدَ أنْ لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسولُ الله، وتُقيمَ الصلاةَ، وتُؤتيَ الزكاةَ، وتصومَ رمضانَ، وتَحُجَّ البيتَ إن استطعتَ إليهِ سبيلًا" قال: صدقْتَ، فعجبْنا لهُ يسأَلُهُ ويُصدِّقُه، قال: فأخبرني عنِ الإيمان؟ قال: "أن تُؤمِنَ بالله وملائكتِهِ وكتبهِ ورسلِهِ واليومِ الآخِرِ، وتؤمنَ بالقَدَرِ خَيرِه وشرّه"، قال: صدقْتَ، قال: فأخبرني عنِ الإحسانِ؟ قال: "أن تعبدَ الله كأنَّك تراهُ، فإنْ لم تكُنْ تَراه فإنَّهُ يراكَ"، قال: فأخبرني عن الساعة؟ قال: "ما المسؤول عنها بأعلمَ مِنَ السائِلِ" قال: فأخبرني عن أَمَارَتِهَا؟ قال: "أنْ تلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَها(4)، وأنْ تَرى الحُفَاةَ العراةَ العَالَة رِعاءَ الشاء يتطاولون في البنيان" قال: ثم انطلقَ، فلبثتُ مَليًّا(5)، ثم قال لي: "يا عمر، أتدري مَنِ السائلُ؟" قلتُ: الله ورسولُه أعلمُ، قال: "فإنَّه جبريلُ أتاكُمْ يعلمُكُم دينَكُمْ".(6)
قال النووي: "وهذا الإسناد في نهاية العلو بحمد الله تعالى فبيننا وبين مسلم ستَّة" اهـ.
وبهذا السند أروي بقية كتبه مثل المنفردات والوحدان، وكتاب الطبقات، وكتاب التمييز، وكتاب الكنى والأسماء، وكتاب المخضرمين، وكتاب رجال عروة بن الزبير، وكتاب العلل وغيرها.
______________________
(1) قال الحافظ بن حجر في تبصير المنتبه (3/1100): اختلف في ضمها وفتحها قال ابن نقطة: "الفتح أكثر وأشهر" اهـ.
(2) يتقفّرون العلم: أي يطلبونه ويتتبعونه، وقيل: معناه يجمعونه.
(3) أنف: أي مستأنف، على زعمهم لم يسبق به قدر ولا علم من الله تعالى.
(4) ربتها: أي سيدها ومالكها، قال الأكثرون من العلماء: هو إخبار عن كثرة السراري وأولادهن.
(5) وفي رواية أبي داود والترمذي أنه قال ذلك بعد ثلاث، وفي شرح السنة للبغوي: "بعد ثالثة"، قال النووي: وفي ظاهر هذا مخالفة لقوله في حديث أبي هريرة بعد هذا: ثم أدبر الرجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ردوا علي لرجل" فأخذوا ليردوه فلم يروا شيئا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هذا جبريل" اهـ
(6) وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي.