إثبات كسب العباد لأفعالهم
وأن الله خالقها لا يخلقون شيئًا منهاَ

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا ما ما أملاه العلامة المحدث الشيخ عبد الله الهرري غفر الله له ولوالديه
مذهب أهل الحق أنّ أعمال العبد كلَّها مخلوقة لله لقوله صلى الله عليه وسلم «إن الله صَانِعُ كُلّ صَانِعٍ وَصَنْعَتِهِ»1 .
فيجب الاعتقاد بأن العبد لا يخلق شيئًا من أعماله، أي لا يحدثها من العدم بل يكسبها. فأفعاله مخلوقة لله بمشيئته وعلمه وتقديره. فلا يجري في المُلك والملكوت طرفة عينٍ ولا فلتة خاطر ولا لفتة ناظر إلا بقضاء الله وقدره وقدرته وإرادته ومشيئته، لا فرق بين ما كان خيرًا أو شرًّا، نفعًا أو ضرًّا، وإيمانًا أو كفرًا، وفوزًا أو خسرانًا، أو غَوايةً أو رشدًا لأن الممكنات العقلية بما فيها من الأجسام والأعمال لا توجد إلا بفعل الصانع الحكيم. لا يصح عقلاً أن يكون وجود قسم منها بفعل الله ووجود قسمٍ ءاخر بفعل غيره وهذا مذهب أهل الحق لا يُسأل الله عما يفعل وهم يسألون.
قال الإمام أبو حنيفة في «الوصيّة»2 «والعبد مع أعماله وإقراره ومعرفته مخلوق. فلما كان الفاعل مخلوقًا فأفعاله أولى أن تكون مخلوقة» . وقال في «الفقه الأكبر»3 «وجميع أفعال العباد من الحركة والسكون كسبهم على الحقيقة والله تعالى خالقها» .
وقال الجاحظ والنَظَّام من زعماء المعتزلة بأن العبد يخلق شيئًا واحدًا وهو القصد. نقل ذلك الإمام عبد القاهر التميمي4 .
وكأن ما في كتاب «المسايرة» للكمال بن الهَمَّام وكتابه «التحرير»5 مأخوذ من قوليهما إذ فيهما أن العبد يخلق شيئًا واحدًا وهو العزم المصمّم وأنه يخص به عموم قول الله تعالى ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [سورة الزمر] ليصح التكليف»، فليُحذر من ذلك فإنه خروج عن مذهب أهل الحق قاطبة. وماذا بعد الحق إلا الضلال؟ وقد نسب إليه ذلك ملا علي القاري وردَّه6 .
ونص عبارة «المسايرة»7 : «جميع ما يتوقف عليه أفعال الجوارح من الحركات وكذا التروك التي هي أفعال النفس من الميل والداعية والاختيار بخلق الله تعالى لا تأثير لقدرة العبد فيه وإنما محل قدرته عزمه عقيب خلق الله تعالى هذه الأمور في باطنه عزمًا مصممًا بلا تردد وتوجهًا صادقًا إلى الفعل طالبًا إياه» اهـ.
إلى أن قال8 : «فعن ذلك العزم الكائن بقدرة العبد المخلوقة لله تعالى صح تكليفُه وثوابُه وعقابُه وذمه ومدحُه وانتفى بطلانُ التكليفِ والجبرُ المحضُ وكفى في التخصيص لتصحيح التكليف هذا الأمر الواحد أعني العزم المصمم. وما سواه مما لا يُحصى من الأفعال الجزئية والتُّروك كلُّها مخلوقةٌ لله تعالى متأثرةٌ عن قدرته ابتداء بلا واسطة» اهـ.
والدليل على ما قاله أهل السنة أن فعل العبد ممكن من الممكنات العقلية وكل ممكن مقدور له ففعل العبد مقدوره ولا يحصل شىء من مقدوره إلا بإيجاده لأن قدرته عامة كما أن إرادته عامة شاملة ولو قصرت قدرته عن بعض الممكنات لكان ذلك بمانعٍ غالبٍ ولا يجوز أن يمنع الواجب الوجود شىءٌ بل هو غالب على أمره.

--------------------------------------