أقم الصلاة طرفي النهار

بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد فقد قال الله تعالى: ﴿أقِم الصلاةَ طرَفَيِ النّهارِ وَزُلفا منَ اللّيلِ إنَّ الحسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيئّات﴾ (سورة هود/114) في هذه الآية بيانُ افتراضِ اللهِ تعالى على نبيه خمسَ صلوات فقولُه تعالى: ﴿طرَفَي النّهار﴾ يعني الصبح وهو الطّرفُ الأوّلُ من النهار لأن النّهار مبدَؤه الفجر. والطرفُ الثاني من النهار ما بعد الزوال ففيه فرضان، والطرف الثاني من النهار ما بعد زوال الشمس وفيه الظهرُ والعصرُ.
وقولُه: ﴿وزُلَفاً من الليل﴾ أي ساعاتٍ من الليل يعني به صلاة المغرب والعشاء وبمعنى ذلك قولُه تعالى:﴿فسبحان اللهِ حين تُمسون وحين تُصْبحون ولهُ الحمدُ في السّمواتِ والأرض وعَشِيًا وحينَ تُظهرُون﴾ (سورة الروم ءاية 17 - 18] المعنى أن علينا صلاة المغرب وصلاة العشاء لأن كلتيهما تكونان في أول الليل وهو المساء. فالمغربُ في أولِه الحقيقي، لذلك كان وقتُها أقصَر الأوقات، لا يزيد في أغلب الدنيا مقدار وقتِها على ساعة وثُلُث، وفي بعض البلادِ يَكونُ أقلَ من ذلك ويتّصل بوقت المغرب وقتُ العشاء بلا فاصل ويمتدُ إلى الفجر الساطع.
أما قولُه تعالى: ﴿وحينَ تُصبِحون﴾ يعني به صلاةَ الصُبح لأن وقتَ الفجر هو أولُ الإصباح، وجاء شرحُ ذلك وتحديدُه في الأحاديث النبوية لأن حديث الرسول عليه الصلاة والسلام شرحٌ للقرءان، فقد رَوَينا بالإسناد المتّصل الصحيح في صحيح ابنِ حِبّان من حديثِ جابر ابن عبد الله الأنصَاري رضي الله عنهُما قال أتَى جبريلُ النبيَ صلى الله عليه وسلم حيَن زالت الشّمس فقال "قم فصَلِّ" فقام فصلى الظهر، ثم جاء حين صارَ ظِلُّ الشىءِ مثلَه فقال "قم فصل" فقام فصلّى العصر. ثم جاء حين غابت الشمس فقال "قم فصَلِّ" فقام فصلى المغرب، ثم جاء حين غاب الشّفق فقال "قم فصل" فقام فصلى العشاء. ثم جاء حين سَطَع الفجر فقال "قم فصل" فقام فصلى الصبحَ.
ثم جاءه من الغد حين صار الظلُ مثلَه قال "يا محمد قم فصلِّ الظهر" فقام فصلّى الظهر، ثم جاءه حين صار الظلّ مثليه فقال "يا محمد قم فصل العصر" فقام فصلّى العصر، ثم جاءه حين غابتِ الشمس فقال"قم يا محمّد فصلّ المغرِبَ" وقتاً واحداً لم يَزُل، ثم جاءه حين مضَى ثُلُثُ اللّيل فقال "يا محمّد قم فَصلّ العشاء" فقام فصلى العشاء، ثم جاءه حين أسفَرَ الفجرُ جداً فقال: "يا محمد قم فصلّ الصّبحَ" فقامَ فصلى الصبحَ ثم قال "ما بين هذين وقتٌ كلّهُ".
فعلِمنا من هذه الأدلّةِ الشّرعيّة أنه يجب أداء كلِّ صلاةٍ في وقتها وأنه لا يجوز الاقتصار على ثلاثة أوقاتٍ بأن يُجْعل وقت الظهر والعصر وقت الظهر لكلتيهما ويُجعلَ للمغرب والعشاء وقت المغرِب لِكلتَيهما فإن ذلك مخالفةٌ لأمر الله، إلا أنّ الله تعالى رخّص في حالة العذر من سفر أو مرض أو غير ذلك أن يُجمع بين صلاتين في وقت إحداهما بأن يجمع بين الظهر والعصر في وقت إحداهُما تقديماً أو تاخيراً وبين المغرب والعشاء في وقت إحداهُما تقديماً أو تأخيراً.
ثم إنه يجب على كلّ مسلم بالغ عاقل معرفةُ الأوقات الخَمسة فإن تقديمَ الصّلاة عن وقتها حرام وكذلك تأخيرها عن وقتها حرام لكن من قدّمَها على وقتها كأنّه لم يفعل شيئاً.
ومن أخرّها عن وقتها فقد عصى الله لكنّه برئت ذمتُّه بالقضاءِ لأن ما بعد خروج الوقت تقع قضاء، فلذلك يجب وجُوباً مؤكَّداً معرفة وقت الظهر كما جاء في حديثِ رسول الله، وكذلك معرفةُ وقت العصر كذلك معرفة وقتِ المغرب ووقتِ العشاء ووقت الصبح. فمن لم يتعلم ذلك فلا يزال في معصيةٍ ولو كان يعتمدُ على أَذان المؤذّنين فيؤديها على حسَب أذانهم.
وكذلك الاعتمادُ على الرّزنَامات لا يكفي لأنه لا يصحّ لكلّ الدنيا رزنامة واحدة، كل ناحية تحتاج إلى رُزنامة خاصّة، تختلف مواقيت النواحي من حيث طلوع الشمس ومن حيث الظهر ومن حيث العصر ومن حيث وقت المغرب ومن حيث وقت العشاء ومن حيث وقت الصبح. الدنيا فيها اختلاف، لا يجوز للواحد أن يقول أنا عندي رزنامة فمتى ما حَكَم الوقت بمقتضى الرُّزنامة أقوم أصلي. لا يكفي لا يخلصه من المعصية. واجب على كل إنسان بالغ عاقل أن يعرف مواقيت الصلاة كما جاء عن رسول الله كما علمَه جبريل عليه السلام أولَ مرّةٍ بعدَ ليلةِ المعراج، في غدِ ليلةِ جاءَ جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال "يا محمّد قم فَصَلِّ الظهرَ" لَما مالت الشمس عن وسط السماء إلى جهة المغرب، في تلك الساعة جاءه جبريل في غدِ ليلةِ المعراج، بالليل فُرضت عليه لكن أداؤها ما فُرض عليه تلك السّاعة ما صلى صبح تلك الليلة بل بدأ الصلوات الخمس من الظهر. ما جاءه إلا بوقت الظهر، جبريل عليه السلام بعدما فارقه ليلة المعراج ورجَع رسول الله إلى مكّة ما علّمه الأوقات إلا الظّهر، جاءه عندَ صلاة الظهر بعدما مالت الشمس.
الشمس أولَ ما تُشرق من مشرِقها يكون الظل في جهة المغرب ثم كلما ارتفعت الشمس الظل يتقاصر، ثم لَما تأتي الشمس إلى وسط السماء ينتهي التقاصر، ثم بمجرد ما تميل الشمس إلى جهة المغرب دخل الظهر هذا معنى فصلى حين زالت الشمس.
لَما مَالت الشمس عن وسط السماء إلى جهة المغرب تصلي الظهر، وكان جبريلُ إماماً له في هذا اليوم، وفي اليوم الثاني صلى به الصلوات الخمس إماماً. جبريل صلى بالنبي إماماً ثم جاءه حين صار ظلُ الشىء مثلَه.
حين صار الظلُ مثلَه، هذا يحتاج إلى شرح حتى تفهموه لأن ذلك نهاية وقت الظهر أن يصير ظلُ الشىء مثله - مثلُ الشىء -. إذا عُمل هنا عامود، عندما تأتي الشمس إلى وسط السماء يبقى ظل في أغلب الأيام في أغلب الدنيا يبقى ظل بحذائه، الظل الذي يبقى يسمّى "ظلَ الزوال". هذا الظل الذي يبقى يُحفظ مقدارُه إن كان قدَمًا أو قدمين أو أكثر أو أقل يُحفظ ثم يَتحّوَل الظل، يميل. ثم هذا الظل الجديد الذي حصل لَما مالت الشمس لَما يطول ويصير مثل الشىء مثل العمود مثلاً، إذا فَرضنا هذا العامود عُشْر وحصل من الظل الزائد الجديد مثلُه الظهرُ انتهى، العصر صار مثله وزيادة ظل الاستواء، ظل الاستواء هو ذاك الظل. وأما هذا ظِلّ المثل للشاخص، يكون الظهر انتهى. في المرة الأولى صلى جبريل برسول الله صلى الله عليه وسلم أوّل ما مال الظل صلى بالرسول ثم اليوم الثاني صلى به حين قرُبَ أن يَصِل إلى النّهاية، صلى به جبريلُ إمامًا.
ثم جاءه حين غابت الشمس فقال له "يا محمد قم فصل المغرب" فقام فصلى المغرب، هذا في اليوم الأول، ثم جاءه حين غاب الشفق، الشفق هو الحمرة التي تظهر في مغرب الشمس في جهة المغرب توجد حُمرة هذه الحمرة حين تذهب انتهى وقت المغرب ودخل وقت العشاء. ولذلك علامة وهو ظهورُ النّجوم الصغيرة بكثرة، لَما تظهر النجوم الصّغيرة بكثرة في السماء يكون وقت العشاء دخل. علامَة أن الشفق قد غاب أن تلك الحمرة ذهبت، لَما نرى النجوم الصغيرة قد ظهرت بكثرة نعرف أن وقت العشاء دخل لأن الشفق قد غاب، لأنه لا يصير ظهور النجوم الصغيرة بكثرة إلا بعد غيبوبة الشفق.
ثم جاءه حين سطع الفجر والفجر هو بياضٌ يطلعُ معترضًا في أفُق السماء، بالعرض ليس بالطول هذا اسم الفجر. أوّل ما ظهر هذا الفجر جاء جبريل فقال له "يا محمد قم فصل الصبحَ" فقام فصلّى الصبحَ. أوّل ما ظهر الفجر الصادق جاء جبريل فقال له "يا محمد قم فصل الصبحَ" فقام فصلّى الصبحَ.
ثم جاءه من الغدِ حين صار الظّل مثلَه أي حين قرُب أن يكون الظل مثل الشىء، حين بقي للظل أن يكون مثله - مثل الشاخص - شىء قليل عندئذ جاءه فقال "يا محمد قم فصل الظهر". فصلى الظهر في هذا الوقت الذي كان الظل كاد أن يكون مثل الشىء وذلك ءاخر وقت الظهر، في اليوم الثاني صلى به الظهر ءاخر وقت الظهر، أما في اليوم الأول في أوله لَما قرُب لَما كاد ينتهي، في ءاخر الوقت صلى به الظهر، لأن نهاية الظهر أولُ العصر. وءاخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.