من إملاءات المحدّث الهرري كتاب سلسلة الذهب - الجزء الأول
 الإيمانُ هو الأَصلُ في الأَعمالِ الصَّالحةِ

الإيمانُ هو الأَصلُ في الأَعمالِ الصَّالحةِ

سلسلة الذهب - الجزء الأول

سلسلة_الذهب الحَمدُ للهِ رَبّ العالمينَ لَهُ النّعمَةُ ولَه الفَضلُ ولَهُ الثَّناءُ الحَسَنُ صَلواتُ اللهِ البرِّ الرَّحيمِ والملائِكَةِ المقرَّبينَ على سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ أَشرَفِ المرسَلينَ وعلى جميعِ إِخوانِهِ مِن النَّبيّينَ والمرسَلينَ وءالِ كُلٍّ والصَّالحينَ، وسُلامُ اللهِ عَلَيهِم أَجمعينَ.
أَمَّا بعدُ فقَد جاءَ في الحديثِ أَنَّ رَجلاً أَتى رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فَقالَ: إنّـِي كنتُ أفعلُ كذا وكذا قبلَ أن أسلمَ، فقال لَهُ النَّبِـيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "أسلَمتَ على ما أسلَفتَ" رواهُ مُسلِمٌ. فهذا قالَ بعضُهُم للكافرِ الأصليّ إذا أَسلَمَ يُثَابُ على ما كانَ فَعَلَهُ قبلَ إسلامِهِ من نحوِ صلةِ الرَّحِمِ وإغاثةِ الملهوفِ والصدقةِ لكنَّ الاحتياطَ أنْ لا يُعتَقَدَ هَذا؛ لأنَّهُ يُـخالِفُ الحديثَ الآخَرَ الصحيحَ: "وأمَّا الكافرُ فيُطعَمُ بحسناتِهِ في الدنيَا حتى إذا أفضَى إلى الآخرةِ لم يكنْ لهُ منهَا نصيبٌ". ويُفَسَّرُ حديثُ: "أسلمتَ على ما أسلفتَ " أنَّكَ بعدَ إِسلاَمِكَ ما تعملُهُ بنيةٍ صحيحةٍ بعدَ إِسلاَمِكَ مِـمَّا كنتَ تَعَوَّدْتَ عَملَهُ من الخيرِ كصلةِ الرحمِ وإغاثةِ الملهوفِ والصدقةِ الآنَ بعدَ إِسلاَمِكَ تُثابُ عليهِ.

بَعضُ النَّاسِ وهُم كُفَّارٌ يُكرِمونَ الضَّيفَ ويُغيثونَ الملهوفينَ، هَؤلاءِ إن أَسلَموا يُكتَبُ لهم حسناتُهُم التي يَعملونَها بعدَ إِسلامِهِم وأَعمالُ الخيرِ التي كانوا يَعملونها وهُم على الكُفرِ كالصَّدَقةِ وقِرى الضَّيفِ وإِغاثَةِ الملهوفِ والإِحسانِ إلى الأرامِلِ، أَمّا إِن لم يُسلِم فَمَهما كانَ يَرحَمُ المساكينَ ويُغيثُ الملهوفينَ ويَعطِفُ على الأَيتامِ فَلَيسَ لَهُ شىءٌ، فَمَن قالَ إِنَّ لَهُ ثوابًا يَكفُرُ لأَنَّهُ كَذَّبَ القُرءانَ.
رَجُلٌ كانَ يُقالُ لَهُ عَبدُ اللهِ بنُ جُدعانَ مِن عَشيرةِ أَبي بَكرٍ الصّدّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، كانَ يَقري الضَّيفَ ويُغيثُ الملهوفينَ ويَصِلُ الرَّحِمَ، حتّى إِنَّهُ كانَ يَعمَلُ الطَّعامَ ويَضَعُهُ أَمامَ بيتِهِ على الشّارِعِ حتّى يأكُلَ مِنهُ المسافرونَ مِن دونِ أَن ينزِلوا، الرّاكِبُ مِن دونِ أَن ينزِلَ يأكُلُ ويمضي، جَعَلَ الطَّعامَ على جِفانٍ عاليةٍ.
عائِشةُرَضِيَ اللهُ عَنها سَأَلَت رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَت: يا رَسولَ اللهِ إنَّ ابنَ عمّي ـ قالَت ابنَ عمّي، لأَنَّهُ مِن عَشيرَتِهاـ عَبدَ اللهِ بنَ جُدعانَ كانَ يقرِي الضَّيفَ ويَصِلُ الرَّحِمَ ويَفعَلُ ويَفعَلُ، فَهل يَنفَعُهُ ذلِكَ.قال: "لا، إنه لم يقل يومًا ربّ اغفر لي خطيئتي يوم الدين"معناهُ ما كانَ يؤمنُ بالآخرةِ، كانَ يعبدُ الوثنَ.

عربُ الجاهليةِ كانوا يقولونَ الإنسانُ متى ما ماتَ وصارَ ترابًا لا عودةَ لهُ،ينكرونَ البعثَ. الرسولُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ قالَ:"إنه لم يقُل يومًا ربّ اغفِر لي خطيئتي يومَ الدين" معناهُ ما كانَ يؤمنُ بالآخرةِ.هو هذا عبدُ اللهِ بنُ جدعانَ في أول أمرِه كانَ فاتكًا شريرًا، أبوهُ تبرّأَ منهُ، قال له أمامَ العشيرةِ أنت لست ابني، نفاهُ فكرهَ الحياة، قالَ بعد أن تبرّأَ منّي أبي وعرفَ قومُنا ذلكَ الحياةُ لا تطيبُ لي، فذهبَ إلى بعضِ جبالِ مكةَ يطلبُ الموتَ لتلسعَهُ حيَّةٌ مثلاً في بعضِ الجبالِ فيموتَ، فوجدَ شَقًا في جبلٍ فدخلَهُ على ظنّ أنّهُ قد تلسعُهُ حيةٌ فيَموتُ فوَجَدَ ثعُبانًا كَبيرًا ظَنَّهُ ثُعبانًا حَقيقيًّا وهُو في الحقيقةِ لَيسَ كَذلِكَ، هُوَ صورَةُ ثُعبانٍ كَبيرٍ كُلُّهُ ذَهَبٌ وعَيناهُ جَوهَرَتانِ، ورأى كَومَ ذَهَبٍ وكَومَ فِضَّةٍ ورأى رِجالاً طِوالاً على سُرُرٍ وَهُم مِنَ العَرَبِ القُدَماءِ، فَوَجَدَ عِندَ رؤوسِهِم لَوحًا مِن فِضَّةٍ مَكتوبًا فيهِ تاريخُهُم، ومِن جُملَةِ ما فيهِ أَبياتُ شِعرٍ مِنها هذا البيتُ:
صَاحِ هل رَيتَ أو سَمِعتَ بِراعٍ **** ردَّ في الضَّرعِ ما جَرى في الحِلابِ
هؤلاءِ كأَنَّهُم كانوا هارِبينَ مِن مَلِكٍ قَصَدَ بِلادَهُم، وكانوا لا يَستطيعونَ دَفعَهُ فأَخَذوا ما أخَذوا مِنَ المالِ والذَّهَبِ، ودَخَلوا هذا الشَقَّ لِيَعيشوا فيهِ إلى أَن يموتوا أو يأتيَ الفَرَجُ، يُشْبِهونَ أَهلَ الكَهفِ في بعضِ الصّفاتِ، أَجسادُهُم كانَت مِن حيثُ الظاهِرُ كما هي. لَكِن لو جَسَّها شَخصٌ لَصارَت كالرَّمادِ، ويُمكِنُ هُم دَهَنوا أَجسادَهُم بالحَنوطِ قبلَ أَن يموتوا، الحَنوطُ شَىءٌ يُرَكَّبُ، أَملاحُ الحَنوطِ نوعانِ: نَوعٌ لِتطييبِ الرّائحةِ فَقط وهَذا يُسَنُّ أَن يوضَعَ لِلمَيّتِ المسلِمِ؛ لأَنَّ بعضَ الموتى تَكونُ فيهِم رائِحةٌ كَريهَةٌ مَن جُرْحٍ في جِسمِهِ كالذي أَصابَتْهُ الآكِلةُ، لأَنَّ الآكِلَةَ مَن أُصيبَ بها تَصيرُ رائِحَتُهُ كَريهَةً، والنَّوعُ الآخَرُ مِنَ الحَنوطِ لِدَفعِ سُرعَةِ بِلى الجِسمِ.
الشَقُّ غارٌ صغيرٌ لا يُنتَبَهُ إِليهِ إلا بِالتَّأمُّلِ، ولا يُقصَدُ لِدُخولِهِ عادةً، النّاسُ إِن نَظَروا إِليهِ يَقولونَ هذا مأوى بَعضِ الوُحوشِ والحيَّاتِ، ثُـمَّ هؤلاءِ الذينَ وُجِدوا في هذا الكَهفِ يُحتَمَلُ أَن يَكونوا مِنَ المسلمينَ، ومعنى كلامِهِم الذي وُجِدَ مَكتوبًا على اللّوحِ، أَنّنا لا نَعودُ إلى الحالةِ التي كُنّا فيها كَما أَنَّ الحليبَ لا يَعودُ إلى الضَّرعِ بَعدَما خَرَجَ مِنهُ، أَصابَهُم اليأسُ مِن شِدَّةِ ما حَصَلَ لهم مِنَ الاضطرابِ. وقَد قالَ أَحَدُهُم:
قَدْ يَجمَعُ المالَ غيرُ ءاكِلِه **** ويأكُلُ المالَ غيرُ مَن جَمَعَهُ
هَذا يَنطَبِقُ عَلَيهِم.
ثُـمَّ إِنَّ عَبدَ اللهِ بنَ جدعانَ ذَهَبَ إِلى قومِهِ، وصارَ يُوَزّعُ عَليهِم من الذَّهَبِ، فَجَعلوهُ سَيّدًا لهم، بَعدَ هذا صارَ يَتَكَرَّمُ على النّاسِ ويُعطي أَقرِباءَهُ، عَمِلَ عَمَلاً كَثيرًا مِن عَمَلِ الخيرِ والإِحسانِ إلى النّاسِ، لَكِن لا يَنفَعُهُ؛ لأَنَّهُ فَعَلَهُ لِيَمدَحَهُ النّاسُ وهُو لا يؤمِنُ بالآخِرَةِ لِذَلِكَ قالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِأنّهُ لا يَنفَعُهُ.
أَمّا المؤمِنُ فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعمَلُها تَكونُ مُوافِقَةً للشَّرْعِ مَع نِيَّةِ التَّقَرُّبِ إِلى اللهِ أَي لَيسَ فيها رِياءٌ ولا سُمعَةٌ مَهما كانَت صَغيرةً فَهِي عِندَ اللهِ كَبيرةٌ، أَمّا مَن لا يُنزّهُ اللهَ عَن مُشابهةِ خَلقِهِ فَلا يَنفَعُهُ شَىءٌ مِن أَعمالِهِ في الآخِرَةِ.
واللهُ أَعلَــمُ وأَحكَمُ.
وسبحانَ اللهِ والحمدُ للهِ ربّ العالمينَوصلى اللهُ وسلَّمَ على سيدِنا محمدٍ الأمينِ وءالِهِ وأصحابِهِ الطّيبينَ

 

 

سلسة الذهب
harariyy.org

قائمة سلسة الذهب