القول في حب أصحاب رسول الله

كتاب الدرة البهية

dorraBahiyyah قالَ المؤلِّفُ رحِمَه اللهُ: وَنُحِبُّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وَلا نُفْرِطُ في حُبِّ أَحَدٍ مِنهُمْ وَلا نَتَبَرَّأُ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنُبْغِضُ مَنْ يُبْغِضُهُمْ وبِغَيْرِ الخَيْرِ يَذْكُرُهُمْ ولا نَذْكُرُهُمْ إلا بِخَيرٍ وحُبُّهُمْ دِينٌ وإيمانٌ وإحْسانٌ.
الشرح أصحابُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ هُم مَنْ لَقُوهُ مؤمنينَ بهِ في حياتِهِ وماتوا على ذلك وكان لقاؤهم على الوجهِ المتعارَفِ ليسَ ما يَكُونُ بطريقِ خَرْقِ العادةِ، فالأنبياءُ الذينَ اجتمعُوا بهِ ليلةَ المعراجِ في المسجدِ الأقصى لا يُعَدُّونَ صحابةً لأنَّ ذلكَ الاجتماعَ ليسَ على الوجهِ المتعارَفِ.
أما قولُهُ "ولا نُفْرِطُ في حُبِّ أَحَدٍ منهُم" أيْ لا نَتجاوزُ الحدَّ في مَحَبَّةِ أَحَدٍ كمَا تَجاوزَ بعضُ المبتدِعةِ.
ومعنى قولِهِ "ولا نَتَبَرَّأُ مِنْ أَحَدٍ منهُم" أيْ لا نُكَفِّرُ منهُم أَحَدًا.
ومعنى "ولا نَذْكُرُهُم إلاَّ بخيرٍ" هذا منْ حيثُ الإجمالُ أمَّا مِنْ حيثُ التفصيلُ فنَمْدَحُ ونَذُمُّ على حسَبِ ما يَقتضِيهِ الشرعُ.
أمَّا قولُهُ "ولا نَتَبَرَّأُ مِنْ أَحَدٍ منهُم" إلى قولِهِ "وإحسانٌ" ليسَ معناهُ أنه يُسَاوَى بينَ كُلِّ مَنْ ثَبَتَتْ لهُ الصُّحبةُ في المحبَّةِ والتعظيمِ والإجلالِ فذلكَ غيرُ مرادِ إنَّما المرادُ أَنَّنَا لا نَنْبُذُ أَحَدًا مِمَّنْ ثَبَتَتْ لهُ الصُّحبةُ وثَبَتَ على مُقتضاها إلى ءاخِرِ حياتِهِ أيْ لا نُخرِجُ أَحَدًا منهُم مِنْ حُكْمِ الصُّحبةِ هذا المقصودُ لأنَّ الصُّحبةَ إذا أُخِذَتْ على معنَى مطلقِ الاجتماعِ معَ الإيمانِ بهِ تَشملُ مَنْ قالَ عنهُ الرَّسولُ فلانٌ في النارِ فإنه قالَ عنْ شخصٍ منْ أهلِ الصُّفَّةِ وُجِدَ معهُ دِينارٌ أو دِينارانِ "كَيَّةٌ أَوْ كيَّتانِ بِالنَّارِ" لأنه كانَ يَتظاهرُ بالفَقْرِ ويُخْفِي مالاً ويأخذ مالًا من الغير على أنه فقير، وقالَ عنْ ءاخَرَ كانَ معَ الرَّسولِ في الغَزْوِ فَغَلَّ شَمْلَةً أيْ أَخذَها سرِقةً قبلَ أنْ تُقسمَ المغانِمُ: "رأيتُ شَمْلَتَهُ تَشتعلُ عليهِ نارًا"، وكان شخص ءاخَر كانَ يُقاتلُ في بعضِ الغَزَواتِ الكُفَّارَ قتالاً شديدًا فأَعجبَ بعضَ الصَّحابةِ لما رَأَوْا من نشاطِهِ ثُمَّ قالَ الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم عنهُ: "إنَّهُ في النَّارِ" رواهُ البُخاريُّ، والحاصلُ أنهُ ليسَ كُلُّ فردٍ منهُم كانَ تَقِيًّا صالِحًا. ثم قولُه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في أهلِ صِفِّينَ الذين قاتلُوا عليًّا إنَّهُم دُعاةٌ إلى النارِ يشمل عددًا قليلًا من الصحابة فهؤلاء الذينَ قاتلُوا سيدنا عليًّا قِسمٌ قليلٌ منهُم منَ الصَّحابةِ والقِسمُ الأكبرُ لم يَكُونوا منَ الصَّحابةِ إنَّما مِنَ الَّذينَ أَسلَمُوا مِنْ أهلِ الشَّامِ مِنَ الَّذينَ مَوَّهَ عليهِم مُعاويةُ وأَوْهَمَهُم أنَّ عَلِيًّا كانَ لهُ يَدٌ في قتلِ عُثمانَ وعَلِيٌّ بَرِيءٌ مِنْ ذلكَ، ثُمَّ هوَــ أَيْ مُعاويةُ ـ بعدَ أنْ حَصَلَ على مَطْلُوبِهِ كَفَّ يَدَهُ عَنْ أولئكَ الذينَ قَتَلُوا عُثمانَ فعُلِمَ بذلكَ أنه كانَ يَطلُبُ الدُّنيا كمَا قالَ عليٌّ رضيَ اللهُ عنهُ فيما رواهُ عنهُ مُسَدَّدٌ في مُسْنَدِهِ. فهؤلاءِ الذينَ نَزَلَتْ مَرْتَبَتُهُم عنْ أكابرِ الصَّحابةِ نُحِبُّهُمْ لاسمِ الصُّحبةِ باعتبارِ هذهِ النَّاحيةِ ونُحِبُّهُم لأنَّهُم خَدَمُوا الدِّينَ.

قالَ المؤلِّفُ رحِمَه اللهُ: وَبُغْضُهُمْ كُفْرٌ ونِفَاقٌ وَطُغْيَانٌ.
الشرح المرادُ بهذا بغضُ جميعِهِم فَمَنْ أبغضَ جميعَ الصحابةِ فهو كافرٌ، ولا يعني بذلكَ أنَّ مَنْ أبغضَ واحِدًا يكونُ كافِرًا ولا سِيَّمَا إنْ كانَ بُغْضُهُ لبعضٍ لسببٍ شَرْعِيٍّ.