القول في أن الجنة والنار مخلوقتان

كتاب الدرة البهية

dorraBahiyyah قالَ المؤلِّفُ رحِمَه اللهُ: والجَنَّةُ والنَّارُ مَخلوقَتَانِ لا تَفنَيَانِ أبَدًا ولا تَبيدَانِ
الشرحُ يُفْهَمُ مِنْ كلامِهِ هذا ضلالُ مَنْ قالَ بفناءِ الجنةِ والنارِ وهُمُ الجَهْمِيَّةُ وكذلكَ مَنْ قالَ بفناءِ جَهنَّمَ وهو ابنُ تيميةَ وكِلا الفريقَينِ كافرٌ.

قالَ المؤلِّفُ رحِمَه اللهُ: وإنَّ اللهَ تَعَالى خَلَقَ الجَنَّةَ وَالنَّارَ قَبلَ الخَلْقِ.
الشرحُ أنه يجبُ أنْ نُؤمنَ بأنَّ الجنةَ والنارَ خُلِقَتَا قبلَ البَشَرِ وهُمُ المرادونَ بقولِهِ: "قبلَ الخَلْقِ" أيْ قبلَ البَشَرِ وليسَ معناهُ قبلَ كُلِّ شىءٍ خَلَقَ اللهُ الجنةَ والنارَ.

قالَ المؤلِّفُ رحِمَه اللهُ: وَخَلَقَ لَهُمَا أَهْلاً فَمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ إلى الجَنَّةِ فَضْلاً مِنْهُ وَمَنْ شَاءَ مِنْهُم إلى النَّارِ عَدلاً مِنْهُ وَكُلٌّ يَعْمَلُ لِمَا قَدْ فُرِغَ لَهُ وَصَائِرٌ إلى مَا خُلِقَ لَهُ.
الشرحُ أنه يجبُ الإيمانُ بأنَّ اللهَ خَلَقَ للجنةِ والنارِ أهلاً فمَنْ أدخلَهُ الجنةَ فبفضلِهِ ومَنْ أدخلَهُ النارَ فبعدلِهِ.
وقولُه "وكُلٌّ يَعملُ لِمَا قَدْ فُرِغَ لهُ وصائرٌ إلى ما خُلِقَ لهُ" أيْ أنَّ كُلاًّ منَ العبادِ يَعملُ لِمَا قدْ كَتبَهُ اللهُ تباركَ وتعالى لهُ في اللَّوْحِ.
ومِمَّا يَدُلُّ على أنَّ الثوابَ في الجنةِ فضلٌ منَ اللهِ تعالى قولُهُ صلَّى اللهُ علَّيهِ وسلَّمَ "لا يُنْجِي أحدَكُم عَمَلُهُ" قالُوا ولا أنتَ يا رسولَ اللهِ قالَ "ولا أنَا إلاَّ أنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللهُ منهُ برحْمَةٍ" رواهُ الإمامُ أحمدُ.
وقولُه "عَدلاً" ذلكَ لأنَّ الظُّلمَ وَضْعُ الشىءِ في غيـرِ موضعِهِ وهو تعالى يَتصرَّفُ في مُلْكِهِ ولَمْ يَتَصرَّفْ في مِلْكِ غيرِهِ فلا يُتصور منه ظلم فيُعذِّبُ على تركِ الأوامرِ وارتكابِ النواهِي عدلاً وحِكْمَةً، وهذا مفهومٌ مِنْ قولِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ:"لَوْ أنَّ اللهَ عَذَّبَ أهلَ سَمواتِهِ وأهلَ أرضِهِ لَعَذَّبَهُمْ وهو غيرُ ظالِمٍ لَهُمْ، ولَوْ رَحِمَهُمْ كانتْ رحمتُهُ خيرًا لهم منْ أعمالِهِم" رواهُ أبو داودَ، فطاعةُ الطائعِ فضلٌ منَ اللهِ فإن العبدَ وعملَهُ ملكٌ للهِ قالَ تعالى ﴿وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا (21)﴾ [سورة النور].

قالَ المؤلِّفُ رحِمَه اللهُ: وَالخَيرُ والشَّرُّ مُقَدَّرَانِ عَلَى العِبَادِ.
الشرح أنَّ اللهَ قَدَّرَ الخيرَ والشرَّ على العبادِ أيْ قدَّرَ بعِلْمِهِ ومشيئتِهِ معَ مَا جعلَهُ اللهُ في العبدِ منَ الاختيارِ هذا معناهُ قالَ تعالى:﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَىءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2) ﴾[سورة الفرقان].