في تفسيرالقرءان الكريم الدر المصون في شرح جزء عم يتساءلون
 سورة الغاشية

سورة الغاشية

الدر المصون في شرح جزء عم يتساءلون

الدر_المصون سُورَةُ الْغَاشِيَةِ
مَكِّيَّةٌ إِجْمَاعًا وَهِيَ سِتٌّ وَعِشْرُونَ ءَايَةً
بسم الله الرحمن الرحيم
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4) تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ ءَانِيَةٍ (5) لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إلا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ (8) لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً (11) فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12) فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ (14) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16) أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَّسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22) إلا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ (24) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26)





﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ(1)﴾ أَيْ قَدْ جَاءَكَ يَا مُحَمَّدُ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ، وَ﴿هَلْ(1)﴾ بِمَعْنَى »قَدْ« قَالَهُ قُطْرُب، وَالْغَاشِيَةُ هِيَ الْقِيَامَةُ تَغْشَى النَّاسَ بِالأَهْوَالِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاس، وَقَالَ سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ: هِيَ النَّارُ تَغْشَى وُجُوهَ الْكُفَّارِ.




﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ(2)﴾ أَيْ تَكُونُ وُجُوهُ الْكُفَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ذَلِيلَةً بِالْعَذَابِ.




﴿عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ(3)﴾ قَالَ القرْطُبِيُّ: وَهَذَا فِي الدُّنْيَا لانَّ الآخِرَةَ لَيْسَتْ دَارَ عَمَلٍ، وَ﴿نَّاصِبَةٌ(3)﴾ أَيْ تَعِبَةٌ أَتْعَبُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الدُّنْيَا عَلَى الْكُفْرِ وَمَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَالْمُرَادُ كُلُّ الْكُفَّارِ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ﴿خَاشِعَةٌ(2)﴾ فِي النَّارِ ﴿عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ(3)﴾ فِي النَّارِ وَذَلِكَ بِمُعَالَجَةِ السَّلاسِلِ وَالأَغْلالِ وَخَوْضِهَا فِي النَّارِ كَمَا تَخُوضُ الإِبِلُ فِي الْوَحْلِ.




﴿تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً(4)﴾ أَيْ أَنَّ الْكُفَّارَ يُقَاسُونَ حَرَّ النَّارِ، قَالَهُ الْخَلِيلُ. وَيُقَالُ: صَلَيْتُ الشَّاةَ: شَوَيْتُهَا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَوْقِدَ عَلَى النَّارِ أَلْفُ سَنَةٍ حَتَّى احْمَرَّتْ، ثُمَّ أَوْقِدَ عَلَيْهَا أَلْفُ سَنَةٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ، ثُمَّ أَوْقِدَ عَلَيْهَا أَلْفُ سَنَةٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ فَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. اللَّهُمَ أَجِرْنَا مِنَ النَّارِ.




﴿تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ ءَانِيَةٍ(5)﴾ قَالَ الْحَسَنُ: مِنْ عَيْنٍ قَدْ ءَانَ حَرُّهَا.




﴿لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إلا مِنْ ضَرِيعٍ(6)﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: الضَّرِيعُ نَبْتٌ ذُو شَوْكٍ لاصِقٍ بِالأَرْضِ تُسَمِّيهِ قُرَيْشٌ الشِّبْرِق إِذَا كَانَ رَطْبًا، فَإِذَا يَبِسَ فَهُوَ الضَّرِيعُ لا تَرْعَاهُ الْبَهَائِمُ لِخُبْثِهِ، قَالَ الْمُفَّسِرُونَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّ إِبِلَنَا لَتَسْمَنُ عَلَى الضَّرِيعِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ(7)﴾ وَهَذَا فِيهِ تَكْذِيبٌ لِلْمُشْرِكِينَ.




﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ(8)﴾ أَيْ مُتَنَعِّمَةٌ ذَاتُ نِعْمَةٍ وَنَضَارَةٍ.




﴿لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ(9)﴾ أَيْ رَضِيَتْ لِعَمَلِهَا فِي الدُّنْيَا بِالطَّاعَةِ إِذْ كَانَ ذَلِكَ الْعَمَلُ جَزَاؤُهُ الْجَنَّةَ.




﴿فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ(10)﴾ أَيْ مَكَانًا وَمَكَانَةً، قَالَ النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ: أَنْشَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الشِّعْرَ فَأَعْجَبَهُ:
بَلَغْنَا السَّمَاءَ مَجْدُنَا وَسَنَاؤُنَا *** وَإِنَّا لَنَرْجُو فَوْقَ ذَلِكَ مَظْهَرَا
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِلَى أَيْنَ الْمَظْهَرُ يَا أَبَا لَيْلَى؟" قُلْتُ: إِلَى الْجَنَّةِ، قَالَ: "أَجَلْ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى".




﴿لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً(11)﴾ قَالَ قَتَادَةُ: لا يُسْمَعُ فِيهَا بَاطِلٌ وَلا مَأْثَمٌ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ.




﴿فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ(12)﴾ أَيْ بِالْمَاءِ، وَأَرَادَ عُيُونًا لانَّ الْعَيْنَ اسْمُ جِنْسٍ وَالْعُيُونُ الْجَارِيَةُ هُنَاكَ كَثِيرَةٌ.




﴿فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ(13)﴾ أَيْ عَالِيَةٌ فِي الْهَوَاءِ وَذَلِكَ لاجْلِ أَنْ يَرَى الْمُؤْمِنُ إِذَا جَلَسَ عَلَيْهَا جَمِيعَ مَا أَعْطَاهُ رَبُّهُ فِي الْجَنَّةِ مِنَ النَّعِيمِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ سُرُرٌ أَلْوَاحُهَا مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلَةٌ بِالزَّبَرْجَدِ وَالدُّرِ وَالْيَاقُوتِ مُرْتَفِعَةٌ فِي السَّمَاءِ، والسُّرُرُ: جَمْعُ سَرِيرٍ.




﴿وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ(14)﴾ الْكُوبُ: كُوزٌ مُسْتَدِيرُ الرَّأْسِ لا أُذُنَ لَهُ، وَجَمْعُهَا أَكْوَابٌ، وَهِيَ مَوْضُوعَةٌ عَلَى حَافَّاتِ الْعُيُونِ مُعَدَّةٌ لِشُرْبِهِمْ.




﴿وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ(15)﴾ فِي الْقَامُوسِ: النُّمْرُقُ وَالنُّمْرُقَةُ: الْوِسَادَةُ الصَّغِيرَةُ، وَجَمْعُهَا نَمَارِقُ أَيْ وَسَائِدُ صُفَّ بَعْضُهَا إِلَى جَنْبِ بَعْضٍ لِلاسْتِنَادِ إِلَيْهَا وَالاتِّكَاءِ عَلَيْهَا.




﴿وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ(16)﴾ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالزَّرَابِيُّ: النَّمَارِقُ وَالْبُسُطُ، أَوْ كُلُّ مَا بُسِطَ وَاتُّكِئَ عَلَيْهِ الْوَاحِدُ زِرْبِيّ بِالْكَسْرِ وَيُضَمُّ، وَهَذِهِ الْبُسُطُ عِرَاضٌ فَاخِرَةٌ كَثِيرَةٌ مُتَفَرِّقَةٌ هُنَا وَهُنَاكَ فِي الْمَجَالِسِ. اللَّهُمَّ أَدْخِلْنَا الْجَنَّةَ.




﴿أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ(17)﴾ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَفَلا يَنْظُرُونَ(17)﴾ أَيْ نَظَرَ اعْتِبَارٍ وَالْمُرَادُ بِهِ كُفَّارُ مَكَّةَ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ(17)﴾ الْمُرَادُ بِهَا الْجِمَالُ، وَقَدْ خَصَّ اللَّهُ الإِبِلَ بِالذِّكْرِ دُونَ غَيْرِهَا لانَّ الْعَرَبَ لَمْ يَرَوْا بَهِيمَةً قَطُّ أَعْظَمَ مِنْهَا وَلانَّهَا كَانَتْ أَنْفَسَ أَمْوَالِهِمْ وَلانَّهُ قَدِ اجْتَمَعَ فِيهَا مَا تَفَرَّقَ مِنَ الْمَنَافِعِ فِي غَيْرِهَا مِنْ أَكْلِ لَحْمِهَا، وَشُرْبِ لَبَنِهَا، وَالْحَمْلِ عَلَيْهَا، وَالتَّنَقُّلِ عَلَيْهَا إِلَى الْبِلادِ الشَّاسِعَةِ، وَعَيْشِهَا بِأَيِّ نَبَاتٍ أَكَلَتْهُ، وَتَحْتَمِلُ الْعَطَشَ إِلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا، وَطَوَاعِيَّتِهَا لِمَنْ يَقُودُهَا وَلَوْ لِلصَّبِيِّ الصَّغِيرِ مَعَ كَوْنِهَا فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ عَلَى الْعَمَلِ، وَتَنْهَضُ بَعْدَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهَا الأَحْمَالُ الثِّقَالُ وَهِيَ جَالِسَةٌ، وَتَتَأَثَّرُ بِالصَّوْتِ الْحَسَنِ، وَكَثِيرٌ حَنِينُهَا وَقَدْ رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الثِّقَاتِ أَنَّهُ سَمِعَ بِحَنِينِ الْجَمَلِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبُكَائِهِ بِحَضْرَتِهِ فَجَرَّبَ ذَلِكَ بِأَنْ مَدَحَ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرْبَهَا فَصَارَتِ الدُّمُوعُ الْغِلاظُ تَنْهَمِرُ مِنْ عُيُونِهَا، وَلَقَدْ صَدَقَ الْحَسَنُ البِصْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ رَوَى عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدِيثَ حَنِينِ الْجِذْعِ الَّذِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إِلَيْهِ فَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ تَحَوَّلَ عَنِ الْجِذْعِ إِلَى الْمِنْبَرِ فَحَنَّ الِجذْعُ، فَأَتَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ عَلَيْهِ السَّلامُ يَدَهُ الشَّرِيفَةَ عَلَيْهِ فَصَارَ يَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّنُ، فَإِنَّ الْحَسَنَ كَانَ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ الْخَشَبَةُ تَحِنُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَوْقًا إِلَى لِقَائِهِ فَأَنْتُمْ أَحَقُّ أَنْ تَشْتَاقُوا إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.




﴿وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ(18)﴾ أَيْ رَفْعًا بَعِيدَ الْمَدَى بِلا عَمَدٍ.




﴿وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ(19)﴾ عَلَى الأَرْضِ نَصْبًا ثَابِتَةً فَهِيَ رَاسِخَةٌ لا تَمِيلُ مَعَ طُولِهَا.




﴿وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ(20)﴾ أَيْ بُسِطَتْ وَوُسِّعَتْ.




﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ(21)﴾ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿فَذَكِّرْ(21)﴾ أَيْ عِظْ وَقَوْلُهُ ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ(21)﴾ أَيْ وَاعِظٌ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ: وَلَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ أَمْرٌ بِغَيْرِ التَّذْكِيرِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لَّسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ(22)﴾ أَيْ بِمُسَلَّطٍ قَالَهُ الْبُخَارِيُّ، فَتُقَاتِلَهُمْ، قَالَ ابْنُ الْبَارِزِيِّ: ثُمَّ نَسَخَتْهَا ءَايَةُ السَّيْفِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ نَزَلَتْ ءَايَاتُ الْقِتَالِ أَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يُؤْمَرْ بِالْقِتَالِ بَلْ كَانَ مَأْمُورًا بِالْكَفِّ عَنْهُمْ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ يَسْكُتُ عَنْ جُبْنٍ حِينَ كَانُوا يُؤْذُونَهُ بِالضَّرْبِ وَالشَّتْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ يَنْتَظِرُ الإِذْنَ بِالْقِتَالِ، وَقَبْلَهُ قَدْ قَاتَلَ الأَنْبِيَاءُ كُفَّارًا كَثِيرِينَ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فِي مَعْنَاهَا: لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَلَّطٍ فَتُكْرِهَهُمْ عَلَى الإِيـمَانِ فَعَلَى هَذَا لا نَسْخَ وَقَرَأَ عِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالْحُلْوَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَامِرٍ بِمُصَيْطِرٍ بِالسِّينِ.




﴿إلا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ(23)﴾ مَعْنَاهُ وَلَكِنْ مَنْ أَعْرَضَ عَنِ الإِيـمَانِ وَكَفَرَ بِاللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ قَاهِرُهُ، فَهُنَا إلا لا يَصِحُّ كَوْنُهَا بِمَعْنَى الاسْتِثْنَاءِ لِفَسَادِ الْمَعْنَى عَلَى ذَلِكَ لانَّهُ يَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصَيْطِرٌ عَلَى الْكُفَّارِ وَالْمَعْنَى الْمُرَادُ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مُصَيْطِرًا عَلَيْهِمْ لَكِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ أُولَئِكَ الْكُفَّارَ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ لِكُفْرِهِمْ.




﴿فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ(24)﴾ وَهُوَ عَذَابُ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا أَبَدًا لا يَخْرُجُ مِنْهَا لا يَحْيَا حَيَاةً هَنِيئَةً وَلا يَمُوتُ فَيَرْتَاحُ، وَهُوَ الأَكْبَرُ لأِنَّهُ أَكْبَرُ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا.




﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ(25)﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِيَابَهُمْ مَرْجِعَهُمْ، أَيْ مَصِيرَهُمْ إِلَى اللَّهِ وَقَرَأَ أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ وَعَائِشَةُ وَأَبُو جَعْفَرٍ إِيَّابَهُمْ.




﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ(26)﴾ أَيْ جَزَاءَهُمْ.