كتب ومتون قصص الأنبياء
 دَعوةُ إبراهيم عليه السلام قومَه إلى عبادة الله وبيان أن إبراهيم لم يكن يعبد الكواكب

دَعوةُ إبراهيم عليه السلام قومَه إلى عبادة الله وحده وإقامة الحجة على قومه في أن الكواكب والأصنام التي يعبدونها لا تصلح للعبادة وبيان أن إبراهيم لم يكن يعبد الكواكب

قصص الأنبياء

قصص_الأنبياء هذه الغلظة والاستكبار من والد إبراهيم عليه السلام لم تُقعده وتمنعه من متابعة دعوته إلى الله سُبحانه وتعالى ولم تُثْنه عدم استجابة أبيه لنصحه ودعوته إلى عبادة الله وحده عن متابعة دعوته لقومه إلى هذا الدين الحق وترك عبادة الكواكب والأصنام.
وأراد إبراهيم عليه السلام أنْ يُبيّنَ لقومه أنَّ عبادةَ الكواكب باطلة وأنها لا تصلح للعبادة أبدًا لأنها مخلوقةٌ مُسَخَّرة مُتغيرة تطلع تارة وتغيب تارة أخرى، وأنها تتغير من حال إلى حال وما كان كذلك لا يكون إلـهًا، لأنها بحاجة إلى من يُغيّرها وهو الله تبارك وتعالى الدائمُ الباقي الذي لا يتغير ولا يزول ولا يفنى ولا يموت، لا إله إلا هو ولا رب سواه، فبيَّن إبراهيمُ عليه السلام لقومه أولاً أن الكوكب لا يصلحُ للعبادة ثم انتقل إلى القمر الذي هو أقوى ضوءًا منه وأبهى حسنًا، ثم انتقل إلى الشمس التي هي أشد الأجرام المشاهدة ضياء ونورًا، فبين أنها ذات حجم وحدود وأنها متغيرة تشرق وتغرب وإذا كانت متغيرة فلا تصلح للألوهية لأنها بحاجة إلى من يُغيرُها ويحفظُ عليها وجودها وهو الله تبارك وتعالى خالق كل شىء ومدبر أمر هذا العالم.
قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَآء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَىْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ﴾ [سورة الأنعام 75-80].
وأما معنى قولِ سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام عن الكوكب حين رءاه ﴿هَذَا رَبِّي﴾ فهو على تقدير الاستفهام الإنكاري فكأنه قال: أهذا ربي كما تَزْعمون، لذلك لما غاب الكوكب قال: ﴿لا أُحِبُّ الآفِلِينَ﴾ أي لا يَصلح أن يكون هذا الكوكب ربًّا لأنه يأفلُ ويتغيرُ فكيف تعتقدون ذلك، ولَمّا لم يَفهموا مقصوده وظلوا على ما كانوا عليه، قال حين رأى القمر مثل ذلك فلمّا لم يَجِدْ منهم بُغيتَهُ أظهر لهم أنه برىء من عبادته أي من عبادة القمر لأنه لا يصلحُ للعبادة ولا يصلح للرُبوبية، ثم لَمّا أَشْرقت الشمس وظهرت قال لهم مثل ذلك، فلمّا لم ير منهم بغيته أيضا وأنهم أصحابُ عقولٍ سقيمةٍ وقلوبٍ مُظلمة مُستكبرة أَيس منهم وأظهر براءته من هذا الإشراك الذي وقعوا به وهو عبادة غير الله تعالى، وأمّا إبراهيم عليه السلام فهو رسول الله ونبيه فقد كان مؤمنا عارِفًا بربه كجميع الأنبياء لا يشك بوجود الله طرفة عين، وكان يعلم أن الربوبية لا تكون إلا لله وأنه لا خالق إلا الله ولا معبود بحق إلا الله. ولم يكن كما يفتري عليه بعض أهل الجهل والضلال من قولهم إنه مرّ بفترات وأوقات شك فيها بوجود الله، لأنَّ الأنبياء والرسل جميعهم يستحيل عليهم الكفر والضلال قبل النبوة وبعدها، لأنهم بُعثوا هداة مهتدين ليعلموا الناس الخير وما أمرهم الله بتبليغه، فقد كان إبراهيمُ عليه الصلاة والسلام قبل مناظرته لقومه وإقامة الحجة عليهم وقبل دعوتهم إلى الإسلام والإيمان يَعْلمُ علمًا يقينًا لا شك فيه أنَّ له ربًّا وهو الله تبارك وتعالى الذي لا يشبه شيئًا وخالقُ كل شىء، وأنَّ الألوهية والرُّبوبيةَ لا تكون إلا لله خالق السموات والأرض وما فيهما وهو مالكُ كل شىء وقادرٌ على كل شىء وعالم بكل شىء ونافذُ المشيئة في كل شىء، والدليل على ذلك من القرءان قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ ءاتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه﴾ [سورة الأنبياء/51]، وقوله تعالى: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا ءاتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ [سورة الأنعام/83]، وقوله تعالى حكاية عن إبراهيم بعد أن أقام إبراهيم الحجة على قومه وأفحمهم: ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [سورة الأنعام/79].
والظاهر أن موعظة إبراهيم هذه في الكواكب لأهل حران فإنهم كانوا يعبدونها، أما أهل بابل فكانوا يعبدون الأصنام وهم الذين ناظرهم في عبادتها، وكسرها وأهانها وبيّن بطلان عبادتها كما قال الله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا ءابَآءنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَءابَآؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ * قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [سورة الأنبياء 52-56].
ولقد سأل إبراهيم عليه الصلاة والسلام قومَه ليُقيم الحجة عليهم أيضًا مستنكرًا إنْ كانت الأصنام تسمع دعاءهم أو تنفع أو تضر فقالوا له ما حكاه الله تعالى عنهم: ﴿قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا ءابَآءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ [سورة الشعراء/74].
فقد سَلّموا له أن هذه الأصنام التي يَعْبدونها من دون الله لا تسمع داعيًا ولا تنفع ولا تضر شيئا، ثم أَخَذ يبينُ لهم بديع صنع الله تعالى وعظيم قدرته ليلمسوا الفرقَ الواضح بين عبادة إبراهيم لله الحقة وبين عبادتهم للأصنام الباطلة يقول الله تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا ءابَآءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وَءابَآؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ﴾ [سورة الشعراء 70-81].

قصص الأنبياء

قائمة قصص الأنبياء