#

قال ﷺ اللهم أنت السلام ومنك السلام

قال ﷺ "اللهم أنت السلام ومنك السلام"

أما بعد فقد روينا بالإسناد المتصل في صحيح مسلم بن الحجاج من حديث الأوزاعي عن ثوبان رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلّم من الصلاة استغفر ثلاثًا، ثم قال "اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام".
الله تبارك وتعالى من أسمائه "السلام"، و"السلام" إذا أطلق على الله معناه السالم من كل نقص وعيب وءافة كفناء وموت وعجز ونقص في كماله، لأن الله تبارك وتعالى ليس كمثله شىء، موجود كامل أزلًا وأبدًا لا يزداد كمالًا ولا ينقص، لأن الشىء الذي يزداد أو ينقص مخلوق، والمخلوق هو الذي يزداد أو ينقص، أما الأزلي الذي لا بداية لوجوده لا يزيد ولا ينقص.
فكل كامل سوى الله يقبل الزيادة، أما الله تبارك وتعالى فهو الكامل الذي كماله أزلي أبدي لا ينقص ولا يزيد، فهو تبارك وتعالى "السلام" بمعنى السالم من النقص والتغير والزوال، لا يطرأ عليه ضعف أو عجز أو نسيان ولا يتغير صفة من صفاته. علمه لا يتغير وقدرته لا تتغير ومشيئته لا تتغير، علم كل شىء في الأزل أي أن علمه لا بداية له، كما أن ذاته أي حقيقته لا بداية له كذلك علمه لا بداية لوجوده، علمه أزلي أي لا بداية لوجوده.
فالأزلي لا يتغير وقدرته أزلية لا بداية لوجودها، ومشيئته أزلية أبدية، شاء في الأزل كل ما يدخل في الوجود، شاء وجوده فلا بد أن يوجد. وما لم يشأ في الأزل أن يكون فلا يكون لأنه لا تحدث له مشيئة لم تكن في الأزل، مشيئته أزلية شاء بتلك المشيئة الأزلية الأبدية كل ما سيحدث.
كان في الأزل وحده لم يكن شىء سواه، كان الله في الأزل لم يكن شىء سواه فشاء في الأزل كل ما سيحدث ويوجد شاء وجوده وحدوثه من أعيان الأشياء حتى الذرة فما فوق، الذرة فما فوق كل ذلك شاء وجوده في الأزل فلا بد أن يوجد. وكذلك الأعمال، أعمال العباد حركاتهم وسكناتهم وأنفاسهم ولحظاتهم وخواطر قلوبهم ونوايا صدورهم كل ذلك شاء الله تبارك وتعالى في الأزل أن يكون، فلا شىء يكون إلا ما شاء الله في الأزل أن يكون، فما لم يشأ الله في الأزل أن يكون لا يكون، سواء دعا الداعون من ملائكة وأنبياء وغير ذلك بشىء لم يشأ الله حصوله لم يشأ الله في الأزل أن يحصل لا يكون ذلك الشىء، لا يحصل، لكن الله تبارك وتعالى كريم قريب مجيب الدعوات إذا دعا العبد ربه بشىء أن يعطيه شيئًا أو أن يصرف عنه شيئًا من البلاء وكان مما قدّر الله تبارك وتعالى أن يكون ذلك البلاء يحصل أو لم يشأ الله تعالى الشىء الذي طلبه ذلك النبي أو الولي أو الملك، ما شاء الله في الأزل أن يكون. فالله تبارك وتعالى يعطي هذا العبد الثواب ويصرف عنه من البلاء، مثل الذي طلب من الله أن يصرف عنه. أما الذي طلب من الله أن يصرف عنه والله تبارك وتعالى شاء في الأزل أن يصيبه لا يصرفه عنه، لكن يصرف عنه من البلاء مثله.
وكذلك إن كان العبد طلب من الله أن يعطيه شيئًا من المطالب ولم يشأ الله في الأزل أن يكون ذلك المطلوب أن يوجد ذلك المطلوب، لم يشأ الله في الأزل فيعطيه الله تبارك وتعالى بدله شيئًا ءاخر مثله، فلا يضيع دعاء العبد المؤمن، لا يضيع. إن لم ينل عين ما طلب ينال غيره، يعطيه الله مثله.
وإن لم يصرف عنه البلاء الذي طلب من الله أن يصرف عنه يعطيه الله ثوابًا ويصرف عنه غير ذلك البلاء، أما أن يغير الله تعالى مشيئته فيعطي العبد شيئًا لم يشأ في الأزل أن يعطيه لا يعطيه لدعائه ولا لدعاء غيره، لو كان ذلك نبيًا لو كان ذلك الداعي نبيًا.
فرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو أحب خلق الله إلى الله طلب من الله تعالى أشياء فأعطاه ما شاء الله تعالى في الأزل أن يعطيه، وأما ما لم يشأ الله في الأزل أن يعطيه فلم يعطه. مثال ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سألت ربي أربعًا فأعطاني ثلاثًا ومنعني واحدة" ما قال فأعطانهن، ما قال أعطاني أربع، لا. بل قال "سألت ربي أربعًا فأعطاني ثلاثًا ومنعني واحدة، سألته أن لا يكفر أمتي جملة فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بما أهلك به الأمم قبلهم فأعطانيها، وسألته أن لا يظهر عليهم عدوًا من غيرهم فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها".
الثلاث الأول التي أعطاه إياها، أولها أنه طلب من الله أن لا تكفر أمته جملة أي أن لا يكفر جميعهم فأعطاه الله ذلك، فالإسلام لا بد أن يستمر إلى يوم القيامة، لا ينقطع الإسلام مهما كثرت الأعادي. مهما كثر الكفار أعداء الله وأعداء المسلمين لا ينقطع الإسلام من على وجه الأرض يظل دين محمد صلى الله عليه وسلم في الأرض ولو اتفق الكفار في مشارق الأرض ومغاربها على أن يمحو الإسلام من الأرض، لن يستطيعوا ذلك لا بد أن يبقى الإسلام في الأرض، لأن الله تعالى وعد نبيه ذلك أن يبقي الإسلام في الأرض وعده الله تبارك وتعالى.
والأمر الثاني هو أنه عليه الصلاة والسلام طلب من الله أن لا يهلك أمته بما أهلك به الأمم قبلهم أي أن لا تنزل بهم عذابًا كعذاب قوم نوح، قوم نوح محقهم الله تبارك وتعالى، ما ترك إلا المؤمنين الذين ءامنوا بنوح من رجال ونساء، وما سواهم محقهم الله، أهلكهم الله تبارك وتعالى، حتى الأطفال الذين علم الله تبارك وتعالى أنهم إن بلغوا يتبعون ءاباءهم فيصيرون كافرين ما ترك منهم أحدًا، أهلكهم بالغرق، أهلكهم بالغرق. فالله تبارك وتعالى لا يسلط على أمة محمد عذابًا مثل ذلك العذاب.
والأمر الثالث طلب من الله تبارك وتعالى أن لا يسلط على أمته عدوًا يمحقهم من على وجه الأرض أي يبيدهم ويستأصلهم، لا يبقي منهم أحدًا. فالله تبارك وتعالى لا يسلط عليهم ذلك العدو الذي يمحوهم من على وجه الأرض مهما كثرت الكفار ومهما كثرت أسلحتهم لا يصلون إلى ذلك أبد الآبدين، لا يصلون إلى أن يمحو المسلمين من الأرض ويمحقوهم ويستأصلوهم بحيث لا يبقى مسلم واحد، لا يصلون إلى ذلك، لا يصير مهما زادت قوتهم، مهما زادت أسلحتهم لا يتوصلون إلى ذلك.
هذه الثلاثة الله تبارك وتعالى أعطاه. وأما الأمر الذي لم يعطه هو أنه عليه الصلاة والسلام طلب من ربه أن لا يجعل بأسهم أي بأس أمته بينهم أي أن لا يقاتل بعضهم بعضًا، فلم يعطه ذلك فلذلك يحصل القتال بين المسلمين بعضهم مع بعض. منذ أيام سيدنا علي إلى الآن بعد كل برهة من الزمن يصير القتال بين المسلمين، هذا بما أن الله تبارك وتعالى قضى وقدّر أنه لا بد يكون، فلما طلب الرسول هذا الشىء ما أعطاه.
وفي رواية لهذا الحديث أن الله تبارك وتعالى قال "يا محمد" قال "يا محمد إني إذا قضيت قضاءً فإنه لا يرد"، المعنى أن الله تبارك وتعالى قدّر وقضى أن أمته سيهلك بعضهم بعضًا، فدعاء النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يصير ذلك في أمته، كان قبل أن يعلم أن الله تبارك وتعالى قدّر وقضى وشاء بمشيئته الأزلية أنه يصير في أمة محمد قتال بينهم، والله تبارك وتعالى لا يغير مشيئته، لذلك لم يعطه. فلو كان الله تعالى يغير مشيئته لأحد لغير مشيئته لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لأنه أحب الخلق إلى الله، الله تبارك وتعالى ما أقسم بحياة أحد من خلقه لا بحياة جبريل ولا بحياة إبراهيم ولا موسى ولا عيسى ما أقسم بحياة أحد من الملائكة ولا البشر إلا بحياة محمد صلى الله عليه وسلم. قال تبارك وتعالى في القرءان الكريم ﴿لَعَمْرُكَ﴾ أي يا محمد أي أقسم بحياتك يا محمد ﴿لَعَمْرُكَ﴾ أي لحياتك أي أقسم بحياتك، الخطاب لسيدنا محمد لعمرك يا محمد أي بحياتك أقسم. فمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعظم القرب إلى الله تعالى، ثم محبته صلى الله عليه وسلم أعظم المحبة للنبي صلى الله عليه وسلم تكون باتباعه فيما أمر بامتثال أوامره واجتناب ما نهى عنه. فأعظم ما أمر الله به أعظم حقوق الله الإيمان بالله وبرسوله أن يعرف الإنسان أن الله موجود باليقين من غير أن يشبهه بشىء من غير أن يشبهه بالإنسان أو بالملائكة أو بالجن أو الهواء أو النور أي الضوء أو الظلام لأن كل هذا هو خلقه لو كان يشبهه ما استطاع أن يخلقه.

Tags: فيديوهات مختلفة , شعبان المكرّم