#

خصال ثلاث

خصال ثلاث
روّينا في صحيح ابن حبّان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّه قال: "يا رسول الله دُلّنِي على عملٍ إذا عملته دخلت الجنّة"، فقال: "أطعمِ الطّعام وصِلِ الأرحام وصلّ بالليلِ والناس نِيام تدخُل الجنّة بسلام". ذكر في هذا الحديث لأبي هريرة أنّ من أخذ بهذه الخصال دخل الجنة بدون عذاب. إحدى هذه الخصال إطعام الطعام والثانية صلة الأرحام. فأمّا إطعام الطعام فإن الثواب يحصل بإطعام المسلم وبإطعام الكافر لأن الله تبارك وتعالى أثنى على الذين يطْعمونَ الطّعام فقال ﴿وَيُطْعِمونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾ [سورة الإنسان ءاية 8] يعني الأسير الكافر. ليس إطعام الطعام مقصورًا على المسلم بل يكون فيه أجر وثواب لمن أطعم الكافر أيضًا. ورُوّينا بالإسناد الصحيح أنّ عبد الله بن عبد الله بن أُبيّ بن سَلُول وكان رجلًا فاضلًا صالحًا مع كون أبيه عبد الله بن أُبيّ رأس المنافقين الكافرين، جاء عبد الله ذات يومٍ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال "يا رسول الله إنّه بلغَني أنّ أبي يقول كلماتٍ" أي ممّا يسوء الرسول من كلام الكفر كالذي ذكر الله تبارك وتعالى من قول هذا المنافق ﴿لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ﴾ [سورة المنافقون ءاية 8] وقوله ﴿لا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ﴾ [سورة المنافقون ءاية 7] وغير ذلك، جاء عبد الله الذي هو ابن هذا المنافق عبد الله بن أُبيّ استأذن الرسول في قتله أي في قتل أبيه هذا المنافق، فلم يُرشده رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بل قال له "أحسنْ صُحْبَتَهُ، أحْسِن صُحْبتَه"، معناه عامله معاملةً حسنة، ويفهم من هذا الحديث أيضًا أن إطعام الطعام فيه أجر وثواب، إن كان المطعَم كافرًا لكنّه ورد حديثٌ صحيحٌ، ورد حديثٌ ثابتٌ أنّه ينبغي العناية بإطعام الطعام للمسلم بمعنى أنّ إطعام المسلم أفضل، وذلك في الحديث الذي رواهُ التّرمذيّ بإسنادٍ حسنٍ: "لا تُصاحِبْ إلا مؤمنًا ولا يأكُلْ طعَامكَ إلاّ تقي" يعني أن المؤمن التّقي أولى بأن يَطعَم طعامَك من غيره أي من المسلم الفاجر والكافر، فإطعام المسلم التقي أفضل من إطعام المسلم الفاجر والكافر، هذا الحديث "ولاَ يأكُل طعامَكَ إلاّ تقيّ" محمول على بيان الأولى والأفضل ليس معناه النّهي عن إطعام غير المؤمن، فالإطعام مرخّص فيه بل فيه ثوابٌ في حقّ المسلم وفي حقّ الكافر، في حق الصّالح والطّالح. والخصلَة الثالثة في حديث أبي هريرة هي قيام الليل بمعنى أن يصلّي العبد المؤمن في جوف اللّيل ما قلّ أو كثر لو صلّى في جوف اللّيل ركعة الوِتر المفرَدَة حصل له أصل ثواب القيام، ولا يخفى أنّه إذا كان ما يصلّيه أكثر من ركعة وتر مفردة. كان غالب أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم أنّه كان يقوم الليل في إحدى عشرة ركعة، وزادَ في بعض الليالي. عائشة رضي الله عنها روت عن رسول الله ﷺ أنّه لم يكن يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، لكنّ عليّ بن أبي طالب روى عنه أنّه صلى ست عشرة ركعة أي سوى الوِتر لأنّه عليه الصّلاة والسّلام لم يكن يترك الوِتر إلا أن يكون في حالٍ واحدةٍ وهي حالة غَلَبَة المرض له، إذا غلبه المرض ليلًا كان يصلّي ما فاته من ذلك بالنّهار، قال له أي لأبي هريرة "أطْعِمِ الطّعام وصِلِ الأرحام وصَلِّ بالليلِ والناسُ نِيام" هذه الخصال الثلاث. وذلك لأنّ الذي يثبت على هذه الثلاث لا بدّ أن يكون على جانبٍ عظيمٍ من الدين، لا يوفّق اللهُ تبارك وتعالى لهذه الخصال الثّلاث إلا العبد الذي يحفظه الله تبارك وتعالى، من أن يديم ارتكاب كبائر الذنوب. وأمّا الأرحام أرحام الرّجل كل قرابةٍ له إن كانت قرابةً ترث، وإن كانت قرابةً لا ترث فكلّ يجب صلتهم. ومعنى الصلة زيارتهم لمن استطاع، ومراسلتهم لمَن لم يستطع، والإحسان إلى المحتاج منهم إن استطاع، فمن علم أنّ في رحمه من هو محتاج للإحسان إليه من أجل الفقر وكان عنده ما يزيد ويفضل عن حاجاته فإن لم يصل رحمه مع علمه بحال رحمه فإنّ هذا قاطع رحم، يعدّ قاطع رحم. الشخص الذي عنده من المال ما يزيد عن حاجاته ويعلم أن رحمًا من أرحامه محتاج للإحسان إليه فلم يفعل فإنّه يكون قاطع رحم، وقاطع الرّحم ورد الحديث الصحيح في حقّه في البخاريّ وغيره أنّه صلى الله عليه وسلم قال "لا يدخُلُ الجَنّةَ قاطِع". المعنى أن قاطع الرّحم لا يدخل الجنّة إلا في ءاخر من يدخل، لا يدخل مع الأوّلين، يدخل الجنّة بعد أن يأخذ نصيبه من العذاب في ءاخر من يدخلها، هذا معنى الحديث "لا يدخُلُ الجنةَ قاطع" هذا في الذي يترك صلة الرّحم، وأما من يقطع رحمه ويزيد على ذلكَ أنّه يؤذي، يؤذي رحمه فهذا عذابه أشدّ وأشدّ.

Tags: فيديوهات مختلفة , من مرئيات الشيخ الهرري رحمه الله